دأبت الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال حتى الآن على تجاهل المناطق الشرقية وخاصة مناطق الحوضين، لتظل مرتعا للجهل والفقر والتخلف في تفاوت واضح مقارنة بباقي مناطق البلد الأخرى.
ورغم كونها خزانا بشريا و اقتصاديا ضخما،أعتمد عليه الرئيس الحالي وبعض من سبقوه لنيل الشرعية عبر انتخابات لا يتفق على نزاهتها ،فإن ذلك لم يشفع لها لدى أولي الأمر للنظر إليها بعين سليمة من الحول ،فعقيدة هؤلاء القادمين من نواحي مختلفة أخرى يبدو أنها نشأت على التميز بين جهات الوطن ومناطقه كل حسب جهته ووجهته في تراتبية مقيتة ، حيث يمكن تصنيف المناطق الشرقية طبقا للاهتمامات التنموية من لدن أصحاب الفخامة في المرتبة الأخيرة وتتجسد إرادة حرمان وتهميش وإقصاء المناطق الشرقية في تغييب هذه المناطق من المخططات والاستراتيجيات التنموية على مر العقود مما يفسر أن إبقاءها ضعيفة ومتخلفة هي سياسة ممنهجــة قد تكون لها خلفية تاريخية، فحرمان هذه المناطق من أهم الخدمات الأساسية كالطرق والمستشفيات والمدارس والماء الصالح للشرب بما يتناسب مع حجمها الديمغرافي وقدراتها الاقتصادية دليل أكيد على إقصائها من السياسات التنموية.
ومن سوء حظ هذه الجهات أن جل عناصر النخبة التي حالفها الحظ في الوصول إلى مواقع متقدمة في بعض الحكومات المتتالية لم يكونوا على مستوى تحقيق آمال جماهير مناطقهم ويعود ذلك إلى سوء اختيار هذه العناصر من قبل النظام ، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. مما ولد سخطا وإحباطا كبيرين عند سكان هذه البلاد اتجاه الدولة كلها. ومع ذلك فقد كان للحملة الإعلامية الهائلة التي أعتمدها النظام الحالي لتسويق خطابه القائم على بناء دولة القانون والمساواة، والعدالة الاجتماعية وتقويض أطناب الفساد، و توزيع الثروة خدمة للتنمية تأثيرا بالغا في نفوس أبناء المناطق الشرقية إذ بعث في قلوبهم شيئا من الأمل دفعهم إلى الالتفاف حول هذا الخطاب الذي ترجموا تعلقهم به من خلال الانتخابات الرئاسية 2009 حيث كان ولاؤهم للمرشح محمد ولد عبد العزيز.
وفي خطوة محمودة تفسر على أنها رد للجميل من الرئيس لسكان الحوضيين أعلن رئيس الجمهورية عن بعض المشاريع الهامة مثل: مشروع أظهر وطريق النعمة باسكنو وإنشاء شركة للألبان وغيرها من المشاريع، ورغم بطء سير انجاز هذه المشاريع التي تجاوزت الممد المحددة لها، فقد ظل سكان الحوضيين على عهدهم لم يحيدوا عنه قيد أنملة حيث عبروا عن ذلك من خلال الانتخابات الرئاسية 2014 التي صوت فيها سكان الحوضيين لصالح مرشح الاتحاد من أجل الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز. والآن تبدو حاجة رئيس الجمهورية لأصوات سكان المناطق الشرقية ملحة وحاسمة،فتمرير التعديلات الدستورية غير ممكنة إلا بأصواتهم، وهم الذين لم يشربوا بعد ماء أظهر ولم يتمكنوا من الوصول إلى باسكنو عبر طريق مسفلة ولم يستفيدوا من يبيع منتجاتهم الحيوانية.
سيصل رئيس الجمهورية قريبا إلى هذه المناطق في إطار حملته الانتخابية المتعلقة ببعض التعديلات الدستورية، فماذا في جعبته من مشاريع تنموية تساعد السكان هناك على البقاء والحياة بكرامة؟ أم أن الرئيس لا زال يعتمد على رصيد مشاريع يستغله منذ ثمان سنوات دون نتائج ملموسة مست حياة سكان الحوضين. الواضح من خلال خطابات وكلمات رئيس الجمهورية أمام سكان الولايات التي زارها منذ بداية الحملة أنه خال الوفاض لا شيء في جيبه يقدمه للناخبين سوى بعض العظات والرقائق المستخلصة من تسريبات هاتف محمد ولد غده الذي استولى عليه الدرك بعد حادث سير على طريق روصو نواكشوط ، فهل صراع الأخويين محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد غده من شأنه أن يثير حمية سكان المناطق الشرقية لصالح رئيس الجمهورية والتصويت بنعم للتغييرات الدستورية دون الخوض في المشاكل المطروحة. ذلك ما يراهن عليه الرئيس في تقدير الشخصي فهو يعرف براءة الناس نهاك ورقة قلوبهم.
عبـــــــــــــــــدي بكـــــــــاي