تفاصيل صادمة عن معركة السجن المركزي بنواكشوط

غطت عملية احتجاز اثنين من حراس السجن المركزي بنواكشوط، وارتباك الأجهزة الأمنية في تعاطيها مع الحادث علي تفاصيل العملية، وتفاصيل المعركة، وعدد الضحايا، والصدمة في أوساط القوة الأمنية الخاصة.

 

زهرة شنقيط قررت فتح الملف المثير للجدل، والغوص في أعماق الحادث الذي هز البلد وشغل الناس، ولتكتشف جوانب ظلت غامضة من المعركة إلي الآن، بحكم التزام الأطراف المعنية بها للصمت،وانشغال وسائل الإعلام كافة بالتسريبات الجانبية لبعض صناع القرار السياسى عن تفاصيل الحادث وارتداداته داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.

 

لماذا رفضت كتيبة السجن التدخل؟

 

تقول معطيات حصرية حصلت عليها زهرة شنقيط إن كتيبة الحرس المكلفة بحراسة السجن المركزي بنواكشوط رفضت التدخل لفك اعتصام السجناء بعد دخولهم اليوم الخامس خارج القاطع المخصص للسلفيين، وتراخي وزير العدل سيدي ولد الزين في اعطاء الأوامر بالإفراج عن المعتقلين الأربعة، وإن قيادتها ابلغت الأركان العامة للحرس بخطورة الوضعية داخل السجن، كما أكدت استحالة تنفيذ عناصرها لأي عملية تقررها بفعل قلة الأفراد وضعف التكوين والإجهاد الذي يعانون منه بفعل الاستنفار الدائم، كما أن قيادة الكتيبة تدرك خطورة الأفراد المنتمين للتيار الجهادي المحتجزين داخل السجن، وتدرك أن أي تدخل عنيف من شأنه تعريض حياة أفرادها للخطر، كما أنه قد يحول السجن المركزي إلي ميدان للشغب يستحيل معه ضبط الأوضاع دون اللجوء للذخيرة الحية.

 

وشرح قائد الوحدة تفاصيل الأمر في اتصاله  بالأركان العامة للحرس، كما ذكر بتقرير سابق شرح فيه وضعية السجن والمخاطر الناجمة عن اكتظاظه وموقعه الجغرافي وتحوله إلي مكان لتجنيد الشباب الراغب في الانضمام للجماعات الإسلامية المتشددة، مع تنامي الشعور لدي الحرس القائمين عليه بخطورة واقعهم في ظل امكانية وجود خلايا نائمة خارج السجن المركزي، وانكشاف الضباط المشرفين عليه لتلك الخلايا.

 

 

وحدة  خاصة لفرض الانضباط

 

تقول معطيات زهرة شنقيط إن قيادة أركان الحرس الوطني اتخذت قرارا بارسال كتيبة الأركان الخاصة، وهي كتيبة تتبع مباشرة لقائد الأركان الجنرال فليكس نكري، وتتلقي الأوامر منه أو من الرئيس للتدخل في الأمور الصعبة بنواكشوط.

 

يقود الكتيبة المكونة من ثلاثين فردا ضابط برتبة نقيب، وهو أحد المشرفين سابقا علي السجن المركزي، ولديه خبرة كبيرة به، وقد تعرض لمحاولة اغتيال من طرف بعض عصابات الجريمة، كما أنه دخل في مشاكل كبيرة مع السجناء الذين يتهمونه بالقسوة، ويتحدثون عن معاملته القاسية للمخالفين داخل السجون.

 

تحركت الكتيبة نحو السجن المركزي في حدود الخامسة بتوقيت اغرينتش، وكانت التعليمات صارمة من قيادة المؤسسة العسكرية بعدم استخدام القوة لضبط الأمور، ولكن تم تحريك وحدة من التدخل السريع إلي محيط السجن المركزي، ووحدة من سرية حفظ النظام، مع الزام الكتيبة المتمركزة داخل السجن المدني باليقظة، والتعامل مع الوضعية الجديدة بحذر كبير.

 

كانت المعلومات المتوفرة لدي الكتيبة القادمة من أركان الحرس تقول بأن السجناء في القاطع الخلفي، وأنهم بعد صلاة العصر يخلدون عادة للنوم والراحة، وأن سبعة أفراد فقط هم من يداوم في الاعتصام داخل مقر الزيارة قرب البوابة الرئيسية، وأنهم في وضعية عادية دون تسليح أو أي أداة تمكنهم من المقاومة الشديدة.

 

كيف تم الاشتباك؟

 

نزل أفراد الوحدة العسكرية من سياراتهم عند البوابة الرئيسية، وكانت الخطة تقضي بالدخول علي ثلاثة أفواج إلي داخل السجن المركزي، مع التعامل بحزم مع أي محاولة للفرار أو اشعال الشغب داخل السجن المركزي.

 

تحرك قائد وحدة السجن المركزي وهو ضابط برتبة رائد مع الوحدة الجديدة دون أي "خوذة" واقية من العصي أو الآلات الحادة، وكان تصرفه شخصي بفعل الصداقة التي تربطه مع قائد الوحدة القادمة من الأركان الخاصة، وعند دخولهما البوابة الأولي مع خمسة من الجنود، تعالت صيحات التكبير، والتحم بهم السجناء (12 سجينا)، وهم في حالة هيجان غير مسبوق، وكان أمير المجموعة الخديم ولد السمان يهتف، ويطالب التركيز والتسديد علي الرأس والنحور.

 

سقط الرائد عند الدقائق الأولي وهو مصاب في الرأس اصابة بليغة، وقاوم النقيب وعناصره الخمسة، بينما تعذر دخول بقية أفراد المجموعة بفعل ضيق الباب الرئيسي للسجن، وقوة الاشتباك الذي دار بين طلائع القوة الأمنية وعناصر التيار الجهادي داخل السجن المركزي، في أسوء اشتباك يخوضه الحرس مع السلفيين منذ فترة.

 

استعمل عناصر القوة في الخلف ثلاثة من مسيلات الدموع، فسقط أحد عناصر الحرس مغشيا عليه بفعل الاختناق، وتراجع العدد إلي خمسة عناصر داخل السجن، والبقية خارجه، وتوقف استخدام القنابل الغازية حفاظا علي أرواح رجال الأمن بحكم المكان المشترك والظروف التي يعيشون فيها.

 

كسرت يد الضابط المشرف علي الكتيبة، وأصيب في الرأس اصابة متوسطة، وتناثرت "خوذات" الجنود الواقية من قوة الضربات التي تلقوها، لكن الضابط واثنين من جنوده تمكنا من التراجع نحو الباب، وهم يحملون الرائد والجندي الذي أغمي عليه من قوة الضرب ومسيلات الدموع، بينما بقي في ساحة المعركة اثنان من الوكلاء، رفضا الاستسلام، وقاوما إلي أن تدخل بعض عناصر الكتيبة من فوق السجن المركزي،واقتحم آخرون البوابة الرئيسية للمشاركة في المواجهة، وتم رمي حبل للوكيلين المحاصرين، ليتسلقاه بسرعة إلي السطح، رغم مساعي زعيم التيار الجهادي بالسجن الخديم ولد السمان إلي اجبراهما علي الاستسلام تحت الضرب بالآلات الحادة والعصي بعد أن دخلت رأسه فكرة احتجاز بعض الحراس في نهاية المعركة.

 

تحرك نشطاء التيار السلفي إلي الباب المجاور حيث يقف حرسيان في العادة عند الباب الفاصل بين سجناء التيار السلفي وسجناء الحق العام، وطلبا منهما الاستسلام وهو ماتم بالفعل.

 

كيف كانت الخسائر؟

 

تقول معطيات زهرة شنقيط إن عناصر الوحدة تضرروا بشكل كبير، حيث دخل المستشفي العسكري 17 من الضباط والجنود، وهم مصابون اصابات متفاوتة، كما انهارت معنويات البعض جراء الاشتباك الذي دار دون تفويض باستخدام القوة، أو التفاوض السريع الذي أدي إلي الإفراج عن السجناء تحت تهديد المحتجزين لعناصر الحرس.

 

وقد زارت بعثة حكومية رفيعة ضحايا الحرس في المستشفي العسكري في حدود الواحدة فجرا، ضمت وزير العدل سيدي ولد الزين ووزير الداخلية محمد ولد محمد راره، ووالي نواكشوط الغربية، بينما تأخرت زيارة قائد الأركان الجنرال فلكس نكري إلي الساعة الثالثة فجرا بحكم متابعة الملف مع كبار الممسكين بزمام الأمور في البلد.