حركة شبابية : الشرق الموريتانى يعانى من جفاف خطير (وثيقة)

تعيش مناطق واسعة من الشرق الموريتانى على وقع جفاف خطير، ساهمت فيه عدة عوامل أبرزها نقص التساقطات المطرية فى فصل الخريف الماضى، وضعف الغطاء النباتى بمناطق واسعة من المنطقة، وعجز الجهات الحكومية المكلفة بملف المياه عن حفر آبار ارتوازية فى أماكن مختلفة من "أوكار" و"أظهر" والشريط الحدودى مع جمهورية مالى ، حيث توجد مناطق رعوية قادرة على استيعاب الثروة الحيوانية لو أحسن تسييرها والتعامل معها بشكل مبكر.

 

لكن الأخطر هو النقص الحاد فى المواد الغذائية، حيث تراجع مخزون التجار من المواد الغذائية فى كبريات المدن، وإغلاق العديد من تجار التجزئة لمتاجرهم بالأسواق الشعبية والقرى النائية، بفعل تراجع القوة الشرائية للمواطنين، والقلق الذى تعيشه المنطقة منذ أشهر، وشروع الحكومة فى تغيير العملة الوطنية فى ظرف بالغ الحساسية، والخوف من اضطرابات سياسية بالبلد جراء الاحتقان المتزايد فى الشارع والغموض الذى يلف مصير الحراك السياسى قبل سنة من رحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز واختيار آخر لإدارة شؤون البلاد.

 

كما أن الشعور بانعدام الأمن ساهم هو الآخر فى الرفع من حالة القلق داخل كبريات المدن، والشريط الحدودى فى ظل تحرك محتمل للقوات المسلحة داخل الأراضى المالية لملاحقة بعض الجهاديين المتمركزين فى الغابات والأحراش، وسط مخاوف من وقوع عمليات انتقامية تستهدف لي ذراع الجيش وصده عن القيام بالعملية المقرر إطلاقها قبل نهاية النصف الأول من العام الحالى.

 

ويعيش الآلاف من سكان المنطقة على وقع مجاعة صامتة، بفعل ضعف المردود السنوى للحقول الزراعية جراء نقص الأمطار فى الخريف، وتعثر الزراعة فى مناطق واسعة، حيث تعانى السدود من الإهمال وضعف التدخل الحكومى، وغياب أي إستراتيجية ناجعة لدى وزارة الزارعة بالمنطقة، بعد أن باتت مجمل جهودها منصبة على الزراعة فى المناطق المحاذية للنهر ، أو مشاريع محدودة لإنتاج الخضار فى "كنكوصه" و"أنبيكت لحواش"، دون حملة مصاحبة لتغيير عقلية السكان أو المساهمة فى إنقاذ القطاع الزراعى الذى يعيش أسوء أيامه بالمنطقة.

 

وقد فاقمت المخاوف الحالية من واقع المدن الكبيرة، وباتت المدارس عاجزة عن استعاب التلاميذ، وهجر الأساتذة المناطق الداخلية باتجاه العاصمة، ولم تصاحب الهجرة اليومية الصامتة سياسية رشيدة فى مجال التعليم، حيث البنية التحتية عاجزة عن استيعاب التلاميذ، وبعض الثانويات والإعداديات تعانى من نقص حاد فى الأساتذة منذ بداية العام الدراسى، ولم تنجح الوزارة المعنية فى تنظيم اكتتاب سريع للمعلمين والأساتذة فى المناطق الداخلية لمواجهة النقص الحاصل، وأكتفت بحصص سنوية محدودة، ويتم الشروع فيها بعد مرور أربعة أشهر من العام الدراسى، ويجدد لأصحابها كل سنة، مما يفقدهم الثقة بالمنظومة التربوية التى يعملون فيها.

 

 

وقد بدأت مفوضية الأمن الغذائى فى خطوات خجولة ومحدودة لتوفير الأعلاف للماشية عبر متاجر أمل، بمعدل 160 خنشة لكل بلدية، وهي نسبة هزيلة إذا قورنت بحجم الطلب القائم والحاجة الماسة لدى ملاك الثروة الحيوانية بالمنطقة، فى ظل إغلاق الحدود مع مالى ومنع استيراد الأعلاف من المناطق القريبة، وارتفاع الطلب على القمح وضعف القدرة الإستعابية للمخازن التابعة للمفوضية، والتى لم تشهد أي تغيير منذ رحيل الرئيس محمد خونه ولد هيداله عن الحكم 1984.

 

وقد وجه الرئيس – وفق مصادر حكومية – بفتح متاجر جديدة فى مناطق الثروة الحيوانية، لكن الخوف من الزبونية وتحول الأمر إلى سلعة بيد بعض السياسية قبل الانتخابات المحلية يزيد من انعدام الثقة بالخطوة ويشعل المخاوف من تحول العملية إلى أقراص مهدئة تمنع سكان الثروة من الانتجاع بالمناطق المالية دون أن توفر الحكومة البديل المقنع للمحتاجين إليهم وهم كثر.

 

ورغم انتشار الفكر السلفى بموريتانيا خلال الفترة الأخيرة وتراجع الثقافة التقليدية السائدة فى المجتمع سابقا، إلا أن ظاهرة "التطير" ببعض أطراف المنظومة الحاكمة فى ازدياد كبير، حيث لم يشهد الناس أزمات متلاحقة كالتى يعانوا منها خلال الفترة الأخيرة، ويعتقد البعض أن "الشؤم" يطارد البلد منذ ظهور بعض الفاعلين فى الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويذكرون بالمصائب التى ضربت القصر والنخبة والاقتصاد والأمن والزراعة، ورحيل أهل العلم والصلاح بشكل يومى.

 

وفى الوضع المزرى تحتاج المنطقة إلى وقفة سريعة من أجل تدارك الثروة الحيوانية وملاكها، واعتماد سياسة عقلانية ورشيدة تعلى من الصالح العام، بدل الانشغال بالمهاترات السياسية والصراع القائم فى أروقة السلطة وخارجها، واتخاذ التدابير التالية :

 

(*) فتح مخازن مؤقتة بمناطق تواجد الثروة الحيوانية من أجل توفير الأعلاف لمستحقيها

(*) توزيع بعض المواد الغذائية على المناطق الهشة (أحزمة الفقر بالمدن الكبيرة) وبعض المناطق الريفية المتأثرة من الجفاف وتراجع القوة الشرائية.

(*) استحداث فرق صحية متنقلة ودائمة لمتابعة الثروة الحيوانية وتقديم العلاج الملائم والمناسب، بدل ترك القطاع للمضاربة والاستغلال من بعض التجار المستثمرين فى القطاع.

(*) اكتتاب استثنائى فى قطاعات الأمن والصحة والتعليم بالمنطقة من أجل مواجهة الارتفاع المذهل للبطالة فى صفوف أبناء المنطقة، وغياب أي مؤسسات تجارية أو حكومية قادرة على امتصاص اليد العاملة التى باتت  عبئا يهدد يعرقل مسار التنمية ويربك الأجهزة الأمنية.

(*) فتح المراكز الصحية المغلقة بالمنطقة وتجهيزها، وحل مشكل بعض الأمراض المتفاقمة فى السكان فى هذه الفترة (أمراض الأعصاب)، و(القلب) و(الضغط) و(السكرى)، وهي أمراض تفتك بالسكان دون وجود لأهل الاختصاص أو الأدوية الملائمة لمواجهة الواقع المزرى.

(*) اتخاذ إجراءات سريعة لحل مشكل المدارس بالمنطقة، والأقسام الثانوية على وجه الخصوص قبل موسم الامتحانات، حيث باتت "الباكولوريا" مجرد محطة مؤلمة فى مسار الشباب المتجه بسرعة البرق نحو عالم البطالة والجريمة المنظمة، بفعل ضعف المنظومة التربوية الناجم عن نقص الأساتذة وغياب المتابعة والاكتظاظ الملاحظ فى مجمل المؤسسات التربوية.

 

تحالف الإصلاح والتغيير / الحوض الشرقى

08/02/2018