وسط كوخ متهالك بحي "لغريقه" بالعاصمة نواكشوط عاشت "مبروكه" عقدها الرابع مع الآمال بتحسن وضعها المعيشي المتردي قبل أن تنتهي فجأة كل تلك الأحلام مع وفاة ابنها الوحيد "سليمان" بصعقة كهربائية من أحد الأسلاك الممتدة على طول وعرض الحي الشعبي الذي يعاني ساكنوه التهميش ولهم مع الفقر محطات متعددة ومتنوعة.
تقول "مبروكه" لزهرة شنقيط ابني غادر ذات صباح (قبل نحو شهر من الآن) إلى مدرسته في الحي وعند الظهيرة وبينما كان في طريقه عائدا تعرض لصعقة كهربائية أردته قتيلا لتوه، نقل إلي المستشفي الذي أكد وفاته، وقد تم دفنه دون أن أتمكن من القاء النظر الأخيرة عليه".
تروي "مبروكه" بمرارة لحظة ابلاغها من طرف الأهالي نبأ وفاة ابنها بصعقة كهرباء وهي التي كانت تترقب عودته من المدرسة لتناول الغداء الذي أعدته من بقايا سمك "ياي بوي" الوجبة المتواضعة والمفضلة لدى فقراء الأحياء الشعبية بالعاصمة نواكشوط.
خطر ماثل للعيان...
لم تنتهي خطورة الأسلاك الكهربائية في أحياء الصفيح بالعاصمة نواكشوط مع وفاة "سليمان" ولم تتوقف محن الأمهات أيضا عند محنة "مبروكه" بل تعدى خطر الموت إلى الكثير من السكان في مختلف أنحاء العاصمة التي لا يتوفر أغلبية أحيائها على أعمدة كهربائية تقيهم شر انتشار الأسلاك على الأرض وفي جميع الطرقات.
يقول "محمد" (50 سنة)، إنه يسكن في حي "الحاكم" بمقاطعة توجنين منذ 21 سنة، وإن الأسلاك الكهربائية عادة ما تصاد ضحاياها سنويا في صمت، وهو أمر مذهل يأمل سكان الحي أن توقفه الجهات الحكومية عند حده لكن دون جدوى حتى الآن".
ويضيف محمد لزهرة شنقيط "أنا اعرف العاصمة جيدا منذ سنوات وأجزم أن الوفيات التي تحدث توجد نسبة كبيرة منها بفعل صعق الأسلاك الكهربائية التي توزع الموت بالمجان دون رقيب".
وفي الجهة الشمالية من الحي تؤكد السالكة (30 ربيعا)، أن سكان الحي لا ينتظرون كثيرا ليتجمهروا على أحد ضحايا الصعق الكهربائي فكثيرا ما يكونوا على موعد مع حالة وفاة جديدة لابن أو أخ أو أب دون أن تحرك الجهات الرسمية أي ساكن لاحتواء الأزمة المستفحلة".
وتؤكد السالكه إنها لا تدري لماذا تتجاهل الجهات الرسمية هذا النوع من الوفيات باعتبار أن ضحاياها يجب الوقوف معهم كما يجب وقف آلة القتل السريع المتمثلة في آلاف الأسلاك الكهربائية التي تتربص بحياة المواطنين.
سماسرة يوزعون الموت
تحول غياب الشركة الوطنية للكهرباء عن سكان الأحياء الشعبية بالعاصمة نواكشوط إلى عنوان لانتشار سماسرة مهنة مد الأسلاك الكهربائية، وأضحوا يوزعون الموت وينشرون الفزع دون الخوف من مصادرة تجارتهم أو التعفف عن قتل الأبرياء بحجة تحصيل النقود.
يقول "باب" وهو شاب ثلاثيني يعمل في مهنة مد الأسلاك بـ "بوحديد" في مقاطعة توجنين إنه يزاول عمله بشكل طبيعي ويعتمد على حصانة من شريكه الرسمي والذي يعمل مديرا في أحد فروع شركة الكهرباء".
رفض باب خلال حديثه لزهرة شنقيط الكشف عن اسم شريكة مكتفيا بالقول إن حالته تنطبق على معظم العاملين في المجال والذين يحظون بدفاع بعض مدراء وعمال الشركة عنهم مقابل تقاسم الأموال التي يحصلون عليها من توفير خدمة الكهرباء للسكان، مؤكدا أن استفادتهم تمكن في نفوذ المدراء والعمال وتمكينهم من الحصول على خدمة الكهرباء بالمجان لبيعها بأسعار معقولة للزبناء في الأحياء الشعبية.
واعترف "باب" أنه وشريكه يحصدان شهريا حوالي 500 ألف أوقية، هو ما يمكن دفعه من السكان الذين يستخدمون الأسلاك الكهربائية في الحي الذي يسكنه منذ أكثر من ست سنوات هي الفترة التي أمضاها لحد الساعة في مهنة توفير الكهرباء القاتلة لنحو 150 أسرة تسكن حي "بوحديد" بمقاطعة توجنين بالعاصمة نواكشوط.
موسم الموت..
يرى محمد يحي أحد سكان حي "بوحديد" أن موسم تساقط الأمطار من أخطر المواسم التي يترفع خلالها عدد ضحايا الأسلاك الكهربائية، مشيرا إلى أن البرك والمستنقعات التي تحوم حول الشوارع والأزقة تؤدي إلى وفيات متعددة في الأحياء الشعبية".
وأعرب محمد يحي في حديثه لزهرة شنقيط عن أمله في تحرك الحكومة من أجل وضع حد لخطر هذه الأسلاك خاصة في موسم الأمطار الذي عادة ما يمتد إلى فترة ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر متواصلة.
ويطالب سكان الأحياء الشعبية من شركة المياه أن تواظب على شفط البرك والمستنقعات التي تسبب الكثير من الخطر في ظل انعدام أي ألم لحل أزمة الأسلاك الكهربائية في نواكشوط.
غياب رسمي..
على الرغم من كون المواطنين والعاملين في مهنة مد الأسلاك الكهربائية يعلمون علم اليقين وجود نافذين وراء توفير الحماية لهؤلاء السماسرة الذين يوفرون وسيلة موت مشرعة فان الادارة العامة للكهرباء بموريتانيا لا زالت غائبة عن حماية المواطنين من افتراس سماسرة الكهرباء.
وقد حاولنا في زهرة شنقيط أخذ رأي الجهات الرسمية في الملف غير أن البيروقراطية الإدارية حالت دون ذلك، لذا لزم التنبيه.