نشرت صحيفة " الكونفدنسيال" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن الغياب المفرط والمطول للملك المغربي عن المملكة المغربية، والشائعات التي تحوم حول حالته الصحية، التي أججت جدلا داخل المملكة وخارجها.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الملك المغربي، محمد السادس، قضى فترة لا تتجاوز العشرين يوما في المملكة المغربية منذ بداية السنة الحالية. لكن، أدى هذا الغياب إلى عرقلة عمل العديد من مؤسسات الدولة، واستياء الكثير من المسؤولين. وبينت الصحيفة أن خير دليل على تعطيل سير الدولة بالتزامن مع الغياب المفرط للملك، هو تسلم العديد من الممثلين الدبلوماسيين المغربيين لمهامهم بعد أكثر من ستة أشهر من تعيينهم.
ومن بين هؤلاء الدبلوماسيين، سفير المغرب في كوبا، البلاد التي أعادت معها المغرب علاقاتها الدبلوماسية وسط جوقة إعلامية. وأضافت الصحيفة أن هذا التأخير الذي امتد إلى حوالي ستة أشهر، ليس إلا نتيجة للغياب المتواصل للملك محمد السادس عن المغرب، ما جعله لا يجد متسعا من الوقت لاستقبال المسؤولين الدبلوماسيين وتسليمهم لمهامهم.
وبشكل عام، يعد هذا التأخير أحد العواقب العديدة لغياب رئيس دولة يتحمل الجزء الأكبر من السلطة دستوريا. وأشارت الصحيفة إلى أن المغرب أصبح يعاني من حالة شلل في العديد من قطاعات الدولة والمجالات السياسية الحكومية، بدءا بالعلاقات الخارجية. كما أصبح من النادر الاحتفال في مجالس الوزراء التي يترأسها محمد السادس.
وعلى سبيل المثال، قدر عدد الاحتفالات في هذه الهيئات الحكومية بحوالي ثلاثة فقط خلال سنة 2017. وأوردت الصحيفة أن العاهل المغربي لم يهمل العلاقات الخارجية غير المهمة فقط، على غرار ما حدث في السفارة المغربية في كوبا؛ بل امتد هذا التجاهل وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات ليصل إلى التعامل مع دول لها وزنها بالنسبة للمملكة المغربية.
وأردفت: "على الرغم من أن إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب إلا أن المملكة المغربية عملت على تأجيل زيارة الملك الإسباني وزوجته إلى أراضيها خلال شهر كانون الأول/ يناير الماضي".
وتابعت: "خلال ذلك الوقت، أعلمت وزارة الخارجية المغربية الجهات الإسبانية قبل موعد الزيارة بستة أيام بأنه سيتم تأجيل زيارة الملك الإسباني إلى المغرب، التي كانت من المقرر أن تكون بين الفترة الفاصلة بين يومي التاسع والثاني عشر من كانون الثاني/ يناير الماضي.
وعللت ذلك بالتزامات جدول أعمال العاهل المغربي. في المقابل، ظهر العاهل المغرب خلال تلك الفترة في صورة في مطعم باريسي رفقة الممثلة ميلاني عمار".
وأوضحت الصحيفة أن الملك المغربي، محمد السادس، حطم رقما قياسيا في سجله الخاص بالتغيب عن المملكة. وخلال الفترة الفاصلة بين شهري نيسان/ أبريل وأيلول/ سبتمبر من سنة 2017، قضى العاهل المغربي نسبة 45 بالمائة من وقته في الخارج.
أما خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2018، فقد وصلت هذه النسبة إلى حدود 84 بالمائة. وخلال هذه الفترة، قضى العاهل المغربي فترة لا تتجاوز العشرين يوما في بلاده. ونقلت الصحيفة أن الصحافة الرسمية المغربية مرت مرور الكرام على غياب الملك عن السلطة لفترات طويلة.
وعلى الرغم من تأكيدها أن الملك قد أصبح في صحة جيدة بعد خضوعه لعملية جراحية، إلا أن هذا الغياب المختلط بشائعات حول صحة الملك، قد أثار انزعاج النخب الاقتصادية والسياسية المغربية.
وبينت الصحيفة أن الملك المغربي اضطر في مناسبتين خلال شهر آذار/ مارس الماضي إلى العودة إلى المغرب بسبب الضغوطات التي مارسها محيطه. لكن، تعددت أيضا المرات التي يغيّر فيها الملك المغربي رأيه ويلغي عودته إلى المغرب في اللحظات الأخيرة وحتى خلال استعداده مغادرة فرنسا أو غيرها من البلدان.
وأوردت الصحيفة أن انزعاج النخب السياسية والاقتصادية في البلاد لا زال غير ظاهر للعلن. لكن، تدار حوله العديد من الحوارات والنقاشات في المملكة. كما أن محيط العاهل المغربي في القصر أصبح على وعي بأن هذا الوضع غير مستدام على المدى المتوسط والبعيد، خاصة في خضم الفوضى الاجتماعية التامة التي يعيشها المغرب.
وفي ظل هذه التوترات، أعرب مستشارو الدول الأوروبية، الذين يراقبون وضع المغرب عن كثب، عن قلقهم تجاه هذا الوضع.
وأشارت الصحيفة إلى أن التنازل عن السلطة يبدو الحل لهذا الغياب المستمر للعاهل المغربي، الذي أظهر منذ سنة 2013 أنه لا يرغب بتقييد نفسه بإدارة شؤون البلاد. وقد تجلت هذه المظاهر عبر سلوكه الذي سلط الضوء على رغبته في الاستمتاع بالحياة والتخلص من البروتوكولات التي تفرضها المغرب على ملكها.
في الأثناء، وجد العاهل المغربي سببا مقنعا للتنازل عن السلطة، ألا وهو حالته الصحية المتعكرة. وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من هذه التطورات، إلا أن جميع شروط استلام الحكم لا زالت غير متوفرة في ولي العهد، الحسن؛ على رأسها السن القانونية لهذا المنصب، الذي يجب أن يكون مساويا لثمانية عشر سنة على الأقل.
لكن، في جميع الأحوال يرغب محمد السادس أن يعلّم ابنه فن إدارة الحكومة، حتى على الصعيد الدولي. وعلى الرغم من عدم دعوة الأمير الحسن إلى قصر الإليزيه بشكل رسمي، إلا أن العاهل المغربي قد اصطحبه معه أواخر السنة الماضية، حيث كان حاضرا في وليمة الغداء التي أعدها إيمانويل ماكرون بمناسبة ذكرى قمة الكوكب الواحد. كما كلف الأمير الشاب باستقبال الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، في الرباط.
وقالت الصحيفة إن العائلة الملكية المغربية لا تمر بأفضل لحظاتها للبدء في التفكير عن التنازل عن العرش. وبعد الطلاق الملكي، تواجه المملكة تحدي يتمثل في إيجاد صفة للملكة للا سلمى، التي لم يكن لها دور رئيسي خلال الأشهر الماضية، لكنها تحظى بمكانة خاصة بالنسبة للملك المستقبلي. وبعد تخطي المملكة للمصاعب التي تواجهها، فسيتعيّن عليها التفكير في الخطوة الموالية؛ ألا وهي التنازل عن الحكم.