قال الضابط بسلاح الجو السابق أحمد ولد أحمد عبد إن المحاولة الانقلابية التى قادها ضباط الثامن من يونيو 2003 مهدت لحراك ثورى بالمنطقة، وأثمرت نهاية سريعة لحكم الرئيس معاوية ولد الطايع الذى أطيح به لاحقا فى انقلاب عسكرى يوم الثالث من أغشت 2005.
واعتبر ولد أحمد عبد أن المحاولة – رغم بعض الأخطاء- كانت نقطة تحول فى المسار السياسى بالبلد، حيث تعززت النظرة لضرورة حصول تغيير بالبلد، وانتقلت موريتانيا من بلد يعيش أسوء مراحله بحكم الملاحقة والتضييق على السياسيين والعلماء وانتشار الفساد والنهب المنظم، إلى مرحلة جديدة من التطور تصان فيها حرية التعبير ويسمح فيها للأفراد والكيانات بالعمل دون متابعة، مع نمو متسارع تعيشه المنظومة الاقتصادية بالبلد، بعد عقود من الاضطرابات والركود الخطير.
واعتبر الضابط السابق فى سلاح الجو بأن نتائج العملية على أصحابها قد تكون أقل قيمة من نتائجها على البلد، لكن التضحية لها ثمن. هنالك أرواح فعلا زهقت وجراح كبيرة تحملتها أسر من مختلف الجهات، ناهيك عن تسريج مجموعة كبيرة من الضباط والجنود، رغم أن قانون العفو العام الذى أطلقت بموجبه المجموعة كان بإمكانه التمهيد لعودة العسكريين إلى وظائفهم السابقة،ورغم ذلك أستطاع المشاركون فى العملية التكييف مع الحياة العامة، وساهمت بعض المبادرات الأخيرة فى تخفيف وطأة النتائج المرة، عبر دمج البعض فى وظائف شبه رسمية فى شركات التأمين، ونجاح البعض الآخر فى دخول السياسة من بابها الواسع ، عبر المجالس المحلية أو البرلمان، بعدما فتحت أبواب السياسية وأغلقت أبواب الجيش أمام أبنائه من الضباط المشاركين فى عملية الثامن من يونيو.
كيف تعامل الفرسان مع الخلافات الداخلية؟
ويرى الضابط أحمد ولد أحمد عبد أن التحولات العميقة ( الانقلابات العسكرية والثورات المسلحة) دائما ما تعصف بفاعليها، فالثورة كما يقال تأكل أبنائها، وحتى الانقلابات العسكرية تكون نهاية المشاركين فيها متباينة، مابين ممسك بزمام الأمور وضحية لقرار الآخر.
ورأي ولد أحمد عبد أن الواقع الاجتماع المر، والضغوط الممارسة من بعض القوى والدخول المبكر فى الحياة السياسية لنخبة كانت ضمن المؤسسة العسكرية وحديثة عهد بالحياة السياسية، كلها أمور ساهمت فى تعميق الهوة بين الناس، وتعزيز الشرخ الذى سعت عض الأطراف إلى تعميقه.
ومع ذلك يرى ولد أحمد عبد أن العلاقة لاتزال قائمة بين بعض رموز الحزب الذى أسس بعد المحاولة الانقلابية، والخصومة لم تبلغ درجة التقاضى، والعلاقات الاجتماعية التى تحكم المجتمع ظل لها تأثيرها، أما الخلافات وتباعد وجهات النظر فهو أمر متوقع لنخبة متعددة المشارب والانتماءات، فى حالة فوز المشروع، فما بالك بانقلاب فاشل أو محاولة انقلابية لم يكتب لها النجاح.
الذهاب إلى السلطة والبقاء فى المعارضة؟
وقال الضابط أحمد ولد أحمد عبد إن الأغلبية التى أنحاز إليها فى المرحلة الحالية ليست الأغلبية التى انقلبوا عليها سنة 2003، بدليل أن رموزها هم من أطاحوا بالنظام الذى خرج فرسان الثامن من يونيو 2003 من أجل إسقاطه، وبالتالى لايوجد تحول فى الفكر أو تغيير فى الموقف.
هنالك حركية فى المشهد الداخلى، الأغلبية باتت تضم بعض رموز المشاهد المعارض ما قبل 2005 والمعارضة تضم بعض رموز الأغلبية التى تحرك الفرسان من أجل وضع حد لها.
واعتبر أحمد ولد أحمد عبد أن خرجه من تكتل القوى الديمقراطية 2013 ناتج عن رفض بعض رموز الحزب المعارض للحوار، واتخاذها مواقف مناوئة للعملية السياسية (الحوار والانتخاب)، وهو مادفعنى إلى الذهاب للأغلبية والخروج من الحزب، ناهيك عن القناعة الشخصية بوجود منجز على الأرض يجب تدعيمه، والمضى قدما بشأن بناء البلد وتنميته بدل عرقلة كل المشاريع لأسباب شخصية فقط.
تغيير الموقف ولم يتغير الموقع ؟
وأقر ولد أحمد عبد فعلا بأن موقعه لم يتغير رغم تغير موقفه، ولكن القصة ليست مقاضية، لدي قناعة بالمشروع الجديد الذى قررت دعمه، وبالخط الذى انحزت إليه، أما المواقع فتلك أمور تأتى أو لاتأتى وربط الموقف بها خطأ، والبقاء فى الأغلبية رغم عدم الحصول على أي فرصة يؤكد أن القناعة هي التى حركتنى وليست المصلحة الشخصية، وأن دعم المشروع الذى ألتمس فيه الخير للبلد هو أبرز سبب بعد فشل التجربة الأخيرة للحوار (2013) وليس شراء موقف بموقع.
لبراكنه والقوى الفاعلة فيها خلال الفترة الأخيرة
وقال الوزير أحمد ولد أحمد عبد إن الصراع الدائر بولاية لبراكنه أو التنافس بين رموز العملية السياسية هو أمر صحى، وهنالك انتساب للحزب وعمل مشترك مع كل القوى المحلية، حيث غاب التنافس فى مكطع لحجار وانتفى الصراع، بفعل وحدة مجمل الأطراف داخل المقاطعة فى حلف واحد بقيادة الوزير المختار ولد أجاي، الذى أستطاع بالفعل أن يجمع شتات القوى المحلية وأن يزيل كل الخلافات التى كانت قائمة بين رموز العملية السياسية، وكل الجماعات المحلية رأت ذاتها فى الحلف المذكور.
لقد أستطاع الرجل أن يخدم كل الجماعات بشكل متوازن، لقد ساعد فى حل مشاكل المياه ودعم الزراعة، وسعى لتوظيف أكبر قدر ممكن من العاطلين، لقد استغل مكانته لصالح المقاطعة ولم يستغل المقاطعة لتعزيز مكانته، وهو ما أنعكس بشكل إيجابي على علاقاته بمجمل الأطراف المحلية.
أما مقاطعة ألاك فقد كانت مختلفة عن مكطع لحجار ، لقد كانت هنالك خلافات أذكى الإعلام بعضها، وعموما مركز مال الإدارى – الذى يستحق أن يكون مقاطعة- تميز هو الآخر بصراع كبير بين الفاعلين فيه.
وعلى العوم تتميز الوضعية بمركز مال الإدارى بتهميش كبير لأكبر المجموعات القبلية الفاعلة فى المنطقة، لاتعليم بمناطقها المتناثرة، لاسدود مائية ولازراعة مطرية أو مروية، من انتخبوا عن مال لم يقدموا لها أي جديد، من تحملوا المسؤولية من أبناء المركز لم يستثمروا فى مجال التنمية. وبالتالى يمكن القول بأن مركز مال عموما يعانى ومجتمع مركز مال يخضع للتهميش ويتاجر به بعض المنتمين إليه دون مقابل مقنع للناس أو نافع للجياع بمجمل القرى وآدوابه، مع تحييد سياسى للمجموعة التى تشكل أغلبية مطلقة بالمركز.
واعتقد أن الصراع الأخير زاد البعض من أواره، ومن يحاول عزل الضباط عن العملية السياسية واهم، فمن يخوض الحروب (قمة الفعل السياسى) كيف يمنع عليه ممارسة نفوذه لصالح البلد واستقراره واحتواء أي مظهر من مظاهر التوتر، لقد بذل المدير العام للأمن الفريق محمد ولد مكت الكثير من الجهد لصالح كل المجموعات المحلية، وهو الآن يحاول أن ينصف المجموعة الأكثر تضررا من الغبن الممارس، ومن يروج لصراع بين المدير العام للأمن الفريق محمد ولد مكت والوزير المختار أجاي لايدرك عمق العلاقة بين الرجلين. لكن من الطبيعى جدا أن يحدث تبان فى وجهات النظر أو تنافس من أجل حسم الفدرالى أو المجلس الجهوى، ومن يعتقد بأن المقاطعات كافة سواسية فى القضايا الجهوية وبين من يرى الأمر من اختصاص المقاطعة المركز.
حاورته زهرة شنقيط / 8 يونيو 2018