واصلت الشاحنات المتهالكة حصد أرواح الجنود والضباط الموريتانيين، وسط غياب أي مسائلة للقادة المشرفين علي الوحدات العسكرية أو اتخاذ أي اجراءات لتعزيز ظروف السلامة أثناء نقل الجنود من الوحدات التي يعملون فيها.
الرابع عشر من سبتمر 2014 حصد الإهمال والتهور أرواح ثلاثة من الجنود، وأصيب أكثر من 60 من عناصر الحرس الرئاسي بجروح متفاوتة الخطورة بعد انقلاب الشاحنة التي كانت تقل الضحايا عند الكيلومتر 25 شمال نواكشوط، اثر فقدان السائق السيطرة عليها، وانقلابها في حفرة علي جانب الطريق العام، لكن القدر حمي أرواح الجنود المكدسين فيها بشكل مقزز.
مرت حادثة الحرس الرئاسي دون تحقيق شفاف أو متابعة أي ضابط أو فرد، واكتفي الجنود الضحايا بتعزية يقدمها بعض القادة للأسر المفجوعة في أبنائها، ومبلغ مليوني أوقية لكل أسرة شهيد.
في العشرين من فبراير 2015 تعيد المأساة نفسها، في شاحنة مشابهة، وعلي أطراف الطريق ذاته، لكن الحصيلة هذه المرة قاربت حصيلة مجزرة "لمغيطي" 2005 علي يد تنظيم القاعدة، حيث استكمل الجيش احصاء 15 شهيدا من أبنائه و28 من جنوده الجرحي، بعضهم في وضعية بالغة الصعوبة، والسبب ذاته، تعطل فراميل الشاحنة لدي عودتها من القاعدة العسكرية الواقعة وسط الصحراء، وفقدان السائق السيطرة عليها، وتناثر الجنود والضباط المكدسين فيها علي الجبال المحاذية في أسوء مشهد تعيشه موريتانيا منذ حادث تحطم الطائرة العسكرية قبل 20 سنة في الحوض الشرقي، لدي مغادرتها مطار النعمة المتهالك ساعتها، وبحمولة زائدة كما تقول بعض اللجان المكلفة بالتحقيق في الحادث الأسوء داخل الجيش الموريتاني منذ حرب الصحراء.
وزارة الدفاع الموريتانية لاذت بالصمت رغم هول الصدمة، والقلق الذي اجتاح أسر المجندين داخل البلد، وتناقل أرقام الضحايا من طرف وسائل الإعلام الرسمية، بينما واصلت الإذاعة الوطنية والوكالة تجاهلها للحادث في انتظار بيان مقتضب سيصدر عن الأركان العامة للجيوش، بعد احصاء الضحايا، وتبادل كبار الضباط الأخبار عبر الهاتف، دون اهتمام بآلام الأسر المفجوعة أو هول الصدمة، أما الحداد فهو أمر مستبعد باعتبار أن الشهيد هو ابن الوطن الذي كاتب للدفاع عنه، وليس ملك من ملوك الخليج ممن تحسن أنظمتهم ضخ الأموال للخزينة العامة أو يحظي كبار الموظفين في الدولة بتقدير وتكريم لدي دوائر المال والنفوذ فيها.
لقد واصلت الإذاعة الوطنية بث الأغاني الشبابية كالعادة، واستمر التلفزيون الرسمي في برنامجه المعتاد، أما الوكالة فتشغالت بندوات "فكرية" لبعض المراكز الثقافية الوهمية تثمن دور السعودية والخليج عموما، وتستحضر بعض الماضي الجميل، لتبرير الحاضر المختل لصالح أهل الريال والبترول.
إن الأمر كارثة بكل المقاييس ويتطلب اتخاذ اجراءات صارمة أبرزها :
(1) تحييد الشاحنات المتهالكة من الخدمة العسكرية تماما
(2) توفير آليات لنقل الجنود بشكل يضمن تأدية المهام وسلامة الركاب
(3) تحديد أعداد الجنود المسموح بنقلهم في الشاحنات العسكرية بخمسة وعشرين كأقصي حد، ومعاقبة أي ضابط يدفعه الإهمال أو الرغبة في توفير البنزين لحشر جنوده وضباط في حاويات الموت المتحركة بين القواعد العسكرية داخل البلاد.
(4) اعلان الحداد العام بموريتانيا لثلاثة أيام، واقامة جنازة عسكرية للضحايا
(5) التكفل بأبناء الجنود الذين قضوا، وتأسيس مركز لرعاية أبناء ضحايا القوات المسلحة بموريتانيا.
زهرة شنقيط