لماذا لايعلن الرئيس عن مقاطعة "أوكار"؟

اتسمت فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالخروج عن المألوف من التقطيع الإداري بموريتانيا، استجابة لمقتضيات التنمية والأمن – كما يقول أنصاره- وسعيا لتعمير مناطق ظلت منذ استقلال موريتانيا شبه مهجورة، يتقاذف أصحابها الجهل والفقر والبعد عن مظاهر الحضارة.


كانت أولي محطات الرئيس هي تدشين مقاطعة "انبيكت لحواش" بالحوض الشرقي (150 كلم من النعمة) منهيا الصورة القاتمة لمناطق الشرق المحاذية للجزائر ومالي، والتي ظلت مجرد منطقة موريتانية علي الخرائط، تتقاذفها هيمنة القاعدة وشبكات الجريمة المنظمة، وضروب الإهمال والتبدي بحكم تجاهل المركز لأطراف البلد، وانشغال الزعماء المتعاقبين علي حكمه بتدبير شؤون الكرسي عن هموم الآلاف من الموريتانيين.

 

يقول أنصار الرئيس محمد ولد عبد العزيز إن "انبيكت لحواش" كانت مشروع أمل حالم، زغرد له الآلاف من الرحل، واطلقت فيه الحكومة سلسلة من المشاريع التنموية كان أبرزها مشروع الخضروات الذي بات أبرز ممون للأسواق الشرقية بالخضار، بعد أن كانت حركة الباصات القادمة عبر طريق الأمل غير السوي، هي مصدر تموين تلك المناطق بمادة "البصل" باعتبارها الوحيدة القادرة علي التكيف مع مناخ المنطقة الصحراوي.

 

يتباهي أنصار الرجل اليوم بأن المشروع الذي شكك فيه المعارضون، وتعامل معه بعض الموالين للرئيس بفتور، واندفع فيه آخرون بحماس، بات اليوم معلمة في الصحراء، لها تمثيلها المستقل في البرلمان، وتطمح لدخول مجلس الشيوخ، وينتخب سكانها عمدتهم المركزي بأصوات الرحل القادمين من أدغال الصحراء، ويتحركون عبر الطريق الممهد بين النعمة والمقاطعة بسهولة، ويشكلون مصدر تموين للمدن المجاورة، ومنها مركز الولاية، وعلي هضابها يرفرف علم الدولة الموريتانية، وفيها يتحاكم الناس لمحاكم عصرية، ويتعاملون مع سلطات ادارية وأمنية تمثل دولة ظلت إلي وقت قريب غائبة عن التفكير الجمعوي لسكان الصحراء.

 

لكن منطقة "اظهر" ليست الوحيدة التي عانت من الإهمال، وسكانها ليسوا أقل السكان حظا في التنمية داخل المنطقة، وفضائها الذي بات مضبوطا من الناحية الإدارية، يشبهه فضاء آخر، عاني ويعاني من اهمال الدولة، وغياب الإدارة، وضعف الحراك التنموي، واتساع الرقعة الجغرافية، ويتطلع أصحابه بعد خمسين سنة من الاستقلال إلي الشعور باحتضان الدولة، فهل يكون لهم مايريدون؟ وهل ينظر الرئيس ومعاونيه إلي الحاجة الماسة لمناطق واسعة من المنطقة الشرقية لكيان إداري يجمع شملها، ويعيد للدولة اعتبارها، ويؤمن جيوب البلاد الرخوة من أي فراغ قد يكون مصدر ازعاج للبلد واستقرار ساكنيه في المستقبل؟

 

مقاطعة جاهزة مع وقف التنفيذ .. !

 

تشكل المنطقة الجغرافية الممتدة بين "ولاتة" في الشرق" و"تيشيت" في الشمال، و" لعيون في الغرب، أبرز فضاء تغيب فيه مظاهر الدولة، وتنعدم فيه ظروف العيش الكريم، وتتقاذف ساكنيه صحراء قاسية، وجهل مستقر بفعل انعدام المدارس والمحاظر، والاحتكاك بالحياة العصرية، رغم مظاهر الطيبوبة البادية، والمساهمة الكبيرة في التنمية المحلية بحكم احتضانه لأكبر خزان للثروة الحيوانية بالحوضين.

 

تحتضن المنطقة ثلاث مجالس محلية، وظلت إلي وقت قريب محرومة من التصويت في المجلس الرابع، رغم أن الآلاف من ساكنيها يتعبون إداريا لولاته، البلدية التي تستفيد من تبعية القاطنين بأوكار لفضائها الضيق علي غير المتحكمين فيه، ويتمتع "النبلاء" فيها وحدهم بحق التصويت في المجلس البلدي في سابقة خطيرة بالعالم الثالث كافة.

 

يري السكان أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز نزع عنهم صفة المواطن من الدرجة الثانية بعد قرار الحكومة القاضي بمنح سكان "أوكار" التابعين لمقاطعة ولاته حق التصويت في المجلس البلدي، لكنهم يتطلعون إلي ماهو أشمل من مجرد تصويت انتخابي يتحكم أصحاب القرار فيه بحكم ضعف الوعي السياسي وغياب التعليم والتنمية.

 

تبلغ مساحة الفضاء المهمل أو "أوكار" أكثر من 300 كلم طولا، ويبلغ عرضه أكثر من 180 ، يمتد من "تكورارت" في الحوض الشرقي، إلي "الكيل" في الحوض الغربي، ومن " اعوينات ازبل في مقاطعة جكني ، إلي "قرد ولد كمب" جنوب تيشيت بتكانت.

 

يحتوي الفضاء علي نقاط مياه بارزة تشكل تجمعات بشرية كبيرة أبرزها : "بوبريكه" و" أبير الصكه" و"أصبايه" و" تفنجيت" و"انواغبيريت" و" بوتزايه" و"أقنقس" و"امركبه" و"اخظورة" و"لكليه"، كما يحتوي قري كبيرة تشكل مراكز ثقل للمجموعات القاطنة فيه، وأبرزها : عاصمة بلدية نوالل، وعاصمة بلدية أطويل، وعاصمة بلدية أم الحياظ، مع تجمعات أخري كبيرة مثل "المظلوم" في الحوض الغربي، وأكدرنيت، وحاسي لعبيد،أحماله...

 

تبلغ ساكنة الفضاء أكثر من 70 ألف شخص، بينها 10 آلاف بلغوا سن التصويت، وتصل نقاط المياه المتناثرة فيه أكثر من 130 نقطة مياه بجهود محلية، تصل بعض آبار النقاط إلي أكثر من 30 بئر في النقطة الواحدة، وفي الفضاء توجد عدة أماكن صالحة للزراعة، وأخري صالحة لتكون مناطق استقرار كبيرة، كما أن الطرق الموجودة فيه طرق صحراوية بعضها صعب، والآخر تعبره السيارات الصغيرة في كل اتجاه.

 

يدرك اغلب الإداريين ممن زاروا المنطقة – وهم قلة- واغلب الفاعلين السياسيين فيها – وهم كثر- أن الفضاء المذكور يستحق أكثر من مقاطعة، وأن حاجته إلي تكوين يعيد الأمل لساكنيه، وينصف ضحايا البيئة القاسية أمر قائم، ولكنهم يدركون أيضا حاجة المناطق ذات النفوذ المتصاعد إلي تقسيمه من أجل الاستفادة من الكتل البشرية المتناثرة فيه في أي استحقاق محلي، دون الاهتمام بأهمية انتشار الوعي والتحضر بين صفوف السكان، وحاجة أكثر من خمسة آلاف طفل إلي ولوج المدارس، والاستفادة من الخدمات الصحية المعدومة فيه، وانشاء مشاريع تثبت أركان الدولة في صحرائها الشاسعة، لكن القرار يحتاج إلي إرادة جادة، وعزيمة قوية، وانصاف يفتقد اليه اغلب من تعاقبوا علي حكم البلاد.

 

----------------------------

أوكار .. 10 رؤساء والناس يتعايشون مع الجهل والعزلة والتهميش (*)

ولد عبد العزيز في الحوضين .. أخبار ومشاهد حصرية (ملف)