افرزت زيارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الأخيرة للحوض الشرقي عدة تحالفات قبلية وسياسية، وسط اعادة تموقع لبعض القوي الفاعلة في الولاية، واستقرار أوزان أخري، ظلت مع الزمن مصدر ازعاج لغرمائها المحليين.
الصراعات القبلية التي أذكتها الزيارة كشفت أوزان الفاعلين، وتناثرت الأحلاف في المقاطعة المركزية بشكل مكشوف قبل ساعات من زيارة الرئيس للولاية للقيام بجولة هي الأوسع منذ انتخابه رئيسا للبلاد.
حافظ رئيس سلطة تنظيم النقل البري، والقيادي بالأغلبية الداعمة للرئيس ورجل الولاية الوازن محمد ولد ديدي على خارطة التحالف الذي صاغه قبل سنوات، ونجت صورته من الاهتزاز الذي طال أكثر من جهة ، بفعل ثقة منحتها السلطة القائمة، وحجم فرضه الشارع الداعم للرجل داخل المدينة وخارجها.
وشكل منزله الواقع غرب القاعدة العسكرية بالمدينة أبرز محطة تم اعتمادها لإيواء الوفود الرسمية المرافقة للرئيس، بينما كان فندقه الواقع عند مدخل المدينة الغربي مقرا لبعض البعثات الحزبية والإعلامية وبعض أطر الولاية، ممن فضلوا أجواء الفنادق علي المنازل أو عازهم مكان إيواء في عاصمة متخمة بالوافدين.
غير أن التحالف القبلي الداعم لبعض نواب الولاية ارتكس قبل الزيارة بأسبوعين، حينما نجح السفير الموريتاني السابق في قطر سيد أحمد البكاي ولد سيدي بيه في تدوير التحالف لصالحه، واخراج نائب المقاطعة فاطمة بنت الجيد من أبرز تحالف قبلي اعتمدت عليه في الوصول للمجلس النيابي لفترتين، واستخدمه بافراط لتحييد الرجل من أبرز مراكز نفوذه، بلدية أم آفنادش ذات الثقل البشري الكبير.
ولد سيدي بيه تجاوز بحكمة صدمة أنصاره في "أم آفنادش" ومد يده لتحالف أهل خو، القوة الشعبية الضاربة في الولاية، حيث ظهر إلي جانبه البكاي ولد خو، وعابدين ولد الخير، وهما أبرز رموز التحالف المذكور.
واختار ولد سيدي بيه ارسال رسالة أخري أكثر قوة لرفاقه وخصومه على حد سواء، حيث استعاد العلاقة مع تحالف "بله ولد سيدن" في ولاته، أحد أبرز الأقطاب السياسية المعروفة في المقاطعة منذ بداية المسلسل الديمقراطي بموريتانيا، ومد جسور التواصل إلي تحالف آخر في تمبدغه يقوده شيخ المقاطعة لبات ولد حيبله بدعم من الأمين العام السابق لوزارة الشؤون الإسلامية محمد ولد سيد أحمد فال، ضمن خارطة قبلية يراد لها الحضور في أربع مقاطعات مركزية من الولاية، مع الاحتفاظ بعلاقات ودية مع القوي الأخري المشاركة في الحراك السياسي ، والمرتبط بعلاقات تاريخية لم ينجح رياح الحداثة السياسية في تفكيكها أو عزل بعضها عن بعض.
وفي الولاية ذاتها استمرت هينة "أولاد حننه" علي مقاطعة باسكنو بشكل مطلق، واستعاد النائب الحالي للمقاطعة محمد محمود ولد حننه بدعم من ابن عمه القائد العام المساعد للجيوش حننا ولد سيدي توازنه بعد سنوات من الاستهداف ومحاولات العزل، وفرض منطقه على الأرض.
وقد شكل زيارة الرئيس لمقاطعة باسكنو محطة استثنائية فيها عبر الرئيس عن رغبته في الاستماع لرأي أطر المقاطعة، واستقبل فيها – بدعم وتخطيط من النائب- إلي ثلاثين من أبناء المقاطعة علي دفعة، بحضور عشرة من نساء المقاطعة وعشرة من شبابها، وعشرة من أطر المنطقة، وهو استثناء اغلق في باقي محطات الزيارة.
ولم يتغير المشهد المعهود في "أمرج" واستمر تحالف الشيخ العافية مهيمنا على المشهد السياسي المحلي، من خلال استعراض القوي في الشارع، وفرض الكلمة في المقاطعة، ودعم الرئيس عبر بوابة الحلف بدل الحزب.
وكانت رسالة الشيخ العافية أكثر من واضحة، حينما تقدم مع وزراء الحكومة بشكل فردي لاستقبال الرئيس عند بوابة الطائرة بدل الاصطفاف مع الأطر في المطار، وهو تمييز مر دون تعليق، لكنه أعطي رسالة أكثر من إيجابية عن العلاقة القائمة حاليا بين الرجلين بعد أكثر من رسالة سلبية تسلمها ولد محمد خونه في المأمورية الأولي للرئيس، وتعامل معها في حدود القانون.
وفي مقاطعة "تمبدغه" بات وزير الصحة الحالي أحمد ولد جلفون عنوان تحالف واسع، أبرز محدداته الثقل السياسي للمجموعة التي ينتمي إليها حاليا، والعلاقة الوطيدة مع أبرز الفاعلين في المدينة وضواحيها (تحالف أهل المختار)، ورغبة الأطراف المتصارعة في "حاسي أمهادي" علي التحالف معه من أجل ضمان التجديد أو الانتخاب إذا حلت المجالس المحلية قبل وقتها المعهود.
وحافظ المفوض السابق محمد ولد أليله علي وجود محدود بفعل المرض الذي ابعده عن البلد، وضعف مساعديه سياسيا، رغم الاستثمار الضخم الذي تميزت به فترة حراكه ومشاركته في العملية السياسية المحلية.
وفي مقاطعة "جكني" فرض ولد حدمين وجوده على الأرض، وابقي ولد خطري على التحالف الداعم له كجزء من مكونات الخريطة المحلية، وحضر التحالف المدعوم من الميمون ولد عبدي ولد الجيد بقوة، مع تهدئة تلمسها في الشارع، وتفاهم أملته موازين القوي الجديدة، ورغبة ولد حدمين في الظهور بمظهر رجل الولايتين القوي، مدعوما بتحالفات قبلية هي الأكثر قوة على الأرض حاليا، مع مساهمة جلية من غريمه التقليدي مولاي ولد محمد لغظف الذي شكل استهدافه لولد حدمين أبرز محرك لحلفائه وأقوي دعم تلقاه.
ولم تخل المقاطعات كافة من أقطاب صغيرة أو متوسطة، يعتمد كل منها على مجلس محلي أو تحالف قبلي أو قوة مالية ضاغطة أو حضور حزبي مساعد.
ولعل أبرز التحالفات بعد الأقطاب المذكورة، هو تحالف الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف، وتحالف النائب خطري ولد اعل، وتحالف النائب فاطمة بنت يرب، وتحالف شباب التغيير في أمرج، وتحالف اسلك ولد أحمد ازدبيه في أنبيكت لحواش.
لكن أبرز خاسر طيلة الزيارة هو أحزاب الأغلبية الداعمة للرئيس، والتي توارت شعارات ورموزها خلف ضباب المشهد المحلي المتوتر، ولم تجد عشرات اللافتات الحزبية من يحملها ضمن مسار اختار كل فرد فيه أن يتمترس خلف قبيلته أو حلفه من أجل ضمان مقعد له في حراك سياسي متغير.
زهرة شنقيط