شكل عقد الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمؤتمر صحفي بعد الزيارة الشاملة للحوضين، رسالة إيجابية من حيث التوقيت والهدف، لكنه افرغ من مضمونه، وتحول إلي كارثة بالفعل دمرت أبرز مظاهر الزيارة، واحرجت الرجل أمام أنصاره ومناوئيه بشكل غير مسبوق.
ولعل سوء التخطيط والإدارة والتوقيت وضعف بعض المشاركين جعل المؤتمر يتحول من مكمل للزيارة إلي محبط للرأي العام، ومادة للنكات والسخرية من الرجل الأول في البلاد.
ولعل هذه أبرز الأخطاء التي تم ارتكابها خلال الخرجة الإعلامية غير الموفقة :
(1) مكان المؤتمر : كان من المفترض أن يعقد المؤتمر في مدينة تامشكط أو ترمسه أو لعيون من أجل تسليط الضوء علي الزيارة، ونقاش الملفات بشكل جيد، واعطاء رسالة اعتبار للمنطقة المزورة، بعيدا عن مركزة الأمور في العاصمة، وتحديدا في قصر الرئيس ومحيطه.
(2) كان من المفترض أن يكون جمهور المؤتمر الصحفي من وسائل الإعلام التي انتدبت لتغطية الزيارة أو مراسلي المواقع والصحف والتلفزيونات في المنطقة المذكورة، بحكم قربهم من الواقع المعاش في المنطقة، ونظرتهم للمشاكل التنموية المطروحة، وخبرتهم بالأماكن التي زار الرئيس أو المشاكل المطروحة له.
(3) كان من المفترض أن تخضع الدعوة للمؤتمر لمحددات واضحة، مثل التصفح أو التأثير أو الانتشار أو يعتمد التناوب من خلال دعوة النقابات والروابط لاختيار ممثليها في حوار الرئيس، بدل ترك الأمور للجهة والقبيلة والزمالة كمحدد في دولة يفترض أنها دولة القانون والعدل والمساواة.
(4) كان من المفترض – وقد تعذر عقده في الداخل- أن يتم تأجيل الندوة المقررة في نواكشوط إلي مابعد زيارة الرئيس من أجل فسح المجال أمام وسائل الإعلام العامة والخاصة لتسليط الضوء علي الزيارة، ونقاش أحداثها، وتقييم المنجز فيها، بدل قتل الزيارة بمؤتمر الرئيس الذي انجز بطريقة مختلة.
(5) كان من المفترض أن تمنح وسائل الإعلام الرسمية الفرصة الكاملة، بدل الغاء حق الوكالة في الحضور أو الاستماع أو التفاعل، رغم مهنية بعض العاملين فيها، لكن النظرة الدونية لبعض المدراء كانت حاضرة، وهو ما أدي إلي اقصاء مجمل العاملين في الوكالة من تغطية مؤتمر الرئيس أو المشاركة في الحوار ككل المؤسسات العامة والخاصة الأخرى دون كشف الأسباب الكامنة وراء القرار المستغرب.
(6) كان من المتوقع أن يعلن فيه الرئيس عن مشاريع جديدة في الكهرباء والصحة والماء، والبنية التحتية والنقل من أجل القول للسكان الذي طرحوا عليه آلاف المشاكل بأن الدولة حريصة علي اسعاد مواطنيها، وأن مشاكلهم ستلبي أو يلبي بعضها، بدل التهجم علي القري والتعهد بحرمانها بحجة التقري الفوضوي.
(7) لم يتناول المؤتمر الصحفي مجمل الملفات التي حضر بها الرئيس للندوة بدليل عدم استخدامه هو أو أي وزير مصاحب له لوثيقة من رمزة الوثائق التي بحوزته، وانشغل عنها بالصراع مع الصحافة أو تنفيد الأسئلة المطروحة لأسباب سياسية أو للتغطية علي فشل بعض القطاعات الحكومية التابعة له.
(8) لم يتعهد الرئيس بمحاسبة أي فاسد طيلة المؤتمر الصحفي، ولم يتحدث عن أي نقص شاهده، ولم يكن مقنعا في تركيزه علي التلاعب بالأرقام لتفنيد الواقع الحالي بدل الإقرار بالتقصير الملاحظ والإشادة بالمنجز.
(9) لم يشكر الرئيس أي قطاع وزاري، ولم يشد بجهد أي مسؤول، ولم يذكر أي دور في العملية التربوية لغيره، وهو أسلوب متجاوز في ادارة الأفراد، ويجانب معايير العدل المعمول بها، من خلال تشجيع المنجز وتعنيف المقصر.
(10) وصل الرئيس وهو متوتر بفعل الإرهاق ومشاكل البلد، والتحريض الذي مارسه بعض معاونيه ضد أحد الصحفيين، مما كاد يفسد الحلقة التلفزيونية، واظهر الرئيس بمظهر غير أخلاقي، كان يمكن تجنبه لو أديرت العملية بذكاء أو اختير لها الوقت المناسب أو اعتمدت الشفافية والصراحة فيها قبل البث المباشر.
وعموما شكل المؤتمر الصحفي احدي الحلقات المظلمة في تاريخ الخرجات الإعلامية للرئيس، وأعطي صورة سيئة عنه في بداية مأموريته الثانية، ولم يقنع معارضيه أو يرضي مسانديه ، ولم يجب علي الكثير من الأسئلة العالقة بشأن الحوار والدستور والعلاقة مع الجوار والمستقبل السياسي له.