ترقيات الضباط الأخيرة .. هل قرأت رسائل الرئيس؟

ولد الغزواني مستمر في قيادة الجيوش، والبقية مجرد أرقام تساعد في فهم الواقع المعقد

شكلت اعلان الترقيات العسكرية داخل صفوف القوات المسلحة أبرز حدث عاشته موريتانيا خلال العام الجاري، بحكم التأثير الكبير لها علي مسار الأحداث الراهنة، والرؤية المستقبلية لنمط الحكم المنتظر، وعلاقة الرئيس بأبرز داعميه العسكريين.

 

غير أن النخبة السياسية والإعلامية تعاملت مع الحدث بشكل عادي دون اعادة النظر في الخلفيات التي حكمت قرار الترقيات أو تلك التي دفعت الرئيس لإقصاء أبرز معاونيه، وبعض المقربين منه اجتماعيا من أوسمة تتوق إليها رقاب كثير من الرجال، وتاهت الآثار المترتبة عليها في التداول المبسط للحدث الكبير داخل أروقة الجيش.

 

ولعل أبرز الرسائل التي أراد الرئيس أن يوصلها للرأي العام هي :

 

(1) مكانة ولد الغزواني لديه : حيث رد الرئيس علي الشائعات التي تم تداولها خلال الفترة الماضية عن فتور في العلاقة بين الرئيس وأبرز مساعديه اللواء الركن محمد ولد الغزواني برد عملي تفهمه النخبة العسكرية، وهو رفض التمديد لكل الضباط الذين شاركوا معه في انقلاب 2005 أو 2008 أو استعان بهم في المراحل الماضية، حيث ظلت رتبة "لواء ركن" حكرا علي الرجل الثاني في هرم الدولة الموريتانية فعليا محمد ولد الغزواني، ليكون الشخص الوحيد داخل الجيش الذي يحمل الرتبة رغم مرور أكثر من 55 سنة علي استقلال البلاد وتأسيس جيشها الحالي.

 

(2) كما أن عدم ترقية أي ضابط إليها في الوقت الراهن يشير بشكل جلي إلي أن الرئيس يفكر في ترقية ولد الغزواني نهاية 2016 إلي رتبة أكبر، وهو ماقد يمنحه فرصة جديدة لإدارة المؤسسة العسكرية إلي غاية 2019 ، بينما تكون تلك الترقية مقدمة لإفساح المجال لضابط آخر من أجل حمل رتبة "لواء ركن" تحضيرا له لقيادة الجيوش الموريتانية في المستقبل المنظور.

 

(3) تخليه عن أبرز الجنرالات الذين  حكم بهم المؤسسة العسكرية والأمنية خلال الفترة الماضية، بعد أن روج بعضهم لذاته كشريك في الحكم، ونظر إلي آخرين كرفاق خلص للرئيس يصعب التخلص منهم مهما كانت مظاهر الفشل أو العجز عن تقديم جديد مقنع للرئيس أو تطوي المؤسسات التي تولوا إدارتها أو المحافظة علي الثقة التي منحهم الرئيس عبر ترقيات سابقة، وتمكين استمر لبعض الوقت.

 

ولعل أبرز المغادرين للمشهد الآن هو قائد أركان الحرس اللواء فلكس نيكري، وقائد المخابرات الخارجية محمد ولد محمد أزناكي، ومدير المستشفي العسكري اللواء غلام ولد محمود، والأمين العام لوزارة الدفاع اللواء محمد ولد الهادي، بينما ينتظر اللواء محمد ولد مكت قرار مشابه في دجمبر 2016 .

 

(4) غير أن الترقية لم تخلوا من مفاجئات كان أبرزها حجب رتبة جنرال عن ابن عم الرئيس العقيد محمد ولد لحريطاني قائد سلاح الجو، ومنحها في الوقت ذاتها لقائد جهاز أمن الطرق اللواء لبات ولد المعيوف، والتمديد للعقيد محمدن ولد بلال سنتين بعد منحه رتبة جنرال، وهي أمور مرتبطة بالأداء والانسجام والسجل العسكري ونظرة الرئيس لأركان حكمه.

 

(5) وتعتبر 2015 سنة التلاعب بمصائر الضباط الكبار، بعد أن كانت المأمورية الأولي مأمورية المنح دون تفكير لعشرات الرتب داخل المؤسسة العسكرية ، ضمن سياسة ينظر اصحابها إلي التوازن داخل المؤسسة العسكرية، وحاجة الجيش للاستقرار باستقرار ضباطه الكبار، وعدم منح الفرصة .

 

(6) لمغامرين جدد بالقفز إلي الواجهة، وهو ما أدي إلي تقاعد عدد كبير من العقداء ممن كانوا يتطلعون إلي رتبة جنرال أو يقفون علي الأقل حجر عثرة في وجه مستحقيها الآن.

 

ومن خلال المذكرة الأخيرة يكون الرئيس قد رسم ملامح حكمه، وفرض أجندته داخل المؤسسة العسكرية، واخرج رفاقه الذين شاركوا معه في أسوء مراحل حكمه، وأسس لتمكين نخبة جديدة تدين بالولاء له، بعد أن ظن آخرون أنهم بالفعل شركاء في القرار والتسيير.