أغورط .. خراب الديار من أجل الاعمار المفقود .. صور

منزل وسط أغورط وقد غادره أصحابه إلي تجمع ترمسه الجديد

على بعد 55 كلم من مدينة اعوينات أزبل، وفي احدي سهول "أغورط" قرب "الواد" تتناثر أطلال المنازل بقرية " بيلا هندا"، شاهدة على عمق التحول في التفكير البدوي لسكان المنطقة، والأمل الذي تطلع إليه سكان القري بعد عقود من العيش في أدغال الشرق الموريتاني دون تعليم أو صحة أو تجارة.

 

كانت بداية 2010 عادية بكل المقاييس بحكم الجفاف الضارب بأعماقه في المنطقة، والعطش الذي يميز منطقة "اغورط" عن مجمل المناطق المجاورة لها، وكانت النفوس مشغولة بانتجاع المراعي في الجارة الجنوبية، وأخبار الغيث الواردة من شمال مالي، وكانت ليالي القرى المحيطة ب"الرزام" تعيش على وقع الحكايات الجميلة والمغامرات الممزوجة بالخيال لبعض العاملين في النقل بين الأسواق الشعبية المتناثرة على الحدود الموريتانية المالية، وقصص التهريب عبر الحدود، والتعامل مع الجمارك الموريتانية، وبعض دوريات الأجهزة الأمنية المالية المكلفة بتأمين الشريط الحدودي.

 

لكن بشائر الغيث الأولي مع بداية يوليو 2010 كانت معها بشائر أخري حملتها رسل السلطة – كما يقول السكان- وهي بوادر التحول من حياة الريف الصرفة والتقري الفوضوي إلي حياة المدينة وعالمها المجهول لعدد من القاطنين في الريف.

 

كانت الأخبار المتداولة تتحدث عن انشاء قرية واحدة، أو مركز إداري، أو مقاطعة، تختلف الروايات ويتفق الناس في المقصد، إنه التجمع الذي سيحوي السوق والكهرباء ومركزيا صحيا ينهي آلام السكان، ويوفر تكاليف النقل في الخريف بعد أن باتت الملاريا أبرز مصدر للإزعاج في القرى المذكورة.

 

كان الوالي الشيخ ولد عبد الله – وهو إداري مدني شاب- يجوب القري مروجا لمشروع التحول الجديد، والوعود التي تعهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز بها لمن انحازوا لخياره في التجميع، وكانت جلسات الإدارة مع المواطنين مصدر شد وجذب، وكان مجالس القري بعد كل حشد جماهيري مناسبة للسخرية والتنكيت من مساعي الإدارة وتجاوب بعض الفاعلين.

 

مع مرور أشهر معدودة كانت الفكرة قد تخمرت في الأنفس، وكان رموز القري والتجمعات القبلية قد انساقوا نحو المصير الجديد، مستلهمين تجربة "انبيكت لحواش"، وهم يأملون في العيش داخل نعيم "ترمسه" الموعود.

 

كان تهديم المنازل وفك الارتباط مع الآبار القديمة، والتخلي عن مقابر الأجداد ومرابع الأهل، ومدافن الذكريات أصعب قرار يتخذه السكان، لكن الجميع انساق له في النهاية، يحدوهم أمل الحصول علي تعليم جدي للأطفال، وصحة مقبولة للنساء الحوامل، ورعاية اجتماعية للشيوخ، وفرص عمل للجيل العاطل عن العمل بعد أن باتت أشواق الهجرة نحو المدينة أكبر مستنزف له، والفرار من الريف ديدن صغار القوم المتمردين علي الرعي والماشية والسقي على الآبار القديمة.

 

خلت الديار اليوم من كل أصحابها، وتعطلت مجمل الآبار، وباتت مقابر القوم مجرد أرقام منسية يزورها شيوخ المنطقة وبعض الرعاة من وقت لآخر، لكن هل تحققت أحلام الجيل الجديد؟ وهل قدرت تضحياته الكبيرة؟ وهل سيحافظ سكان التجمع علي الأمل الذي اكتسبوه؟ وهل ستستمر أجواء الدراسة، وخدمات المركز الصحي؟ أم أن كفران الجهد المقدم من أجل الاجتماع سيكون عنوان المرحلة القادمة في ظل تراخي السلطات الإدارية عن تحويل التجمع إلي مركز إداري، وغياب المتابعة الجدية لمدرسة التجمع الوحيد، وغياب حركة تجارية مقبولة بالمنقطة.

زهرة شنقيط

السكان ضحوا بالقرى التي عاشوا فيها من أجل مستقبل أفضل .. فهل تفي الدولة بوعودها؟
منزل أحد شيوخ "بيله هندا" وقد غادر صاحبه إلي التجمع الجديد