بعد عام من استقالته.. هل يعاد الاعتبار لولد محم؟

شكلت الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لحظة اضطراب بالغة الخطورة فى مسار حكمه، بعدما وصلت القطيعة والخلاف بين رموز النظام أوجها، وكان الرئيس إلى جانب المعسكر الممسك بالسلطة التنفيذية فى مواجهة أهل السياسة وبعض رموز الأمن والجيش.

وكان الاستهداف لرئيس الحزب الحاكم السابق سيدى محمد ولد محم قد بلغ ذورته بالدعوة لمؤتمر الحزب العام، فى ظرفية كانت البلاد تتجه فيها لاختيار رئيس جديد، وهو ما أعتبره الرجل محاولة إرباك مقصودة للمشهد العام، واستغلال الوقت بدل الضائع لإذلال الذين رفضوا السير فى جوقة المحيطين بالرئيس، ومحاولة لتمكين بعض رموز النظام من تمرير مايخططون له قبل الرحيل المحتوم!.

ولئن تمكن البعض بتفويض من الرئيس ، أو الحاكمين بأمره، من محاصرة بعض رموز السياسة، وتغييب بعض رموز المؤسسة العسكرية والأمنية، وتركيع بعض رموز السلطة التنفيذية، إلا أن البعض الآخر أختار المواجهة علنا بدل الصمت فى مواجهة الاستهداف، وتعكير صفو الحاكم بدل الاستسلام للضغط المتصاعد من محيطه وبعض معاونيه.

وكان وزير الثقافة الأسبق سيدي محمد ولد محم أبرز الذين واجهوا الرئيس فى مكتبه بما أسماه ساعتها يجرد حساب مفتوح كان التذكير بالتنكر عنوانه، وتوضيح معالم الاستهداف لشخصه ومحيطه خلال العشرية، بعدما قدم استقالته رسميا من الحكومة، وأعلنها عبر وسائل الإعلام قبل أن يسلمها الوزير الأول السابق أحمد سالم ولد البشير الى الرئيس محمد ولد عبد العزيز عبر الهاتف .

ظل الرئيس السابق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا سيدي محمد ولد محم منخرطا فى جهود الأغلبية الداعمة لمرشح السلطة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى دون أن يكون له موقع داخل حملة المرشح أو لجانها التى شملت الغث والسمين، بفعل حضور الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز فى تفاصيل الحملة إلى جانب صديقه، وحرص الأخير على تسيير الأمور إلى غاية حسم المعركة والتفرغ لتدبير شؤون البلد دون صدام مع الرئيس أو تسفيه قراراته.

ولم يظهر ولد محم فى مجمل الأنشطة التى كان للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أي دور فيها، حتى مهرجان النصر بنواذيبو الذى حضره مجمل رموز الأغلبية كان الوزير سيدي محمد ولد محم أبرز الغائبين عنه، بل لعله القيادى الوحيد بالحزب الذى لم توجه له الدعوة، ولم يحضر من تلقاء نفسه، وأكتفى بمتابعة المشهد من بعيد.

لقد كانت نية الإقصاء واضحة والاستهداف ملموس، بل إن النخبة المحيطة بالرجل حرمت الوزير الذى كان أول من أعلن للرأي العام عن ترشيح وزير الدفاع محمد ولد الغزوانى، من حضور مهرجان تنصيبه رئيسا للجمهورية ، مكتفيا بمتابعة المشهد عبر وسائل الإعلام، بعدما كان يحلم أن يكون إلى جانب رفيقه وزميله فى الحكومة يوم تتويجه بمنصب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

ظلت روح الإقصاء تلاحق الوزير المتمرد على الظلم والاستهداف، وغاب أو غيب ولد محم عن النسخة الأولى من مهرجان المدن القديمة بشنقيط، بعدما كان أبرز المخططين لها، والمحضرين لمل تم فيها من انفتاح على الجوار الإقليمي ، وغيب عن احتفالات الذكري الأخيرة لعيد الاستقلال. لقد كان حريصا على أخذ مسافة من الرئيس السابق وعدد من معاونيه، بينما كانت الاتصالات بينه وبين الرئيس الجديد مستمرة، والتقارب بينهما يزداد، كلما خفت العلاقة بين الرئيس المنتخب وسلفه المنصرف.

غير أن العلاقة الوطيدة بين الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى والوزير السابق سيدي محمد ولد محم ظلت محكومة باحترام الأول للأخير مع قدر من الاحترام والتقدير يألفه الساسة ويتطلعون إليه، وكان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى محظوظا فى بداية حكمه برجل وازن من أهل الشمال تصدر طلائع المدافعين عن نظامه، وصاحب تنظير يركن إليه فى أكثر من موقعة.

بينما كان ولد محم يتلذذ بالنار تحرق هشيم الحقد الذي حاصره، والعيون تلاحق من كانوا بالأمس يريدون تحطيمه، لقد تحركت المقصلة الآن فى المعسكر الآخر بما يتفرج الوزير ومحيطه على المشهد من بعيد، حتى ولو أستمر الإقصاء من كل مراكز صنع القرار والتأثير.

لقد أثبت الرجل أن لديه رأي يمكن أن يقوله، ولديه نهج مزعج لخصومه حافظ عليه، وكان يتحدى من يجبره على التوارى بصفقة فساد أو اختلاس أو تجاوز للقانون، بينما كان الطرف الآخر يتوارى عن الإعلام من سوء ما ينتظره، بعدما بات حديث الجمهور، وطعم المجالس، بعد عقد من التوزير والتدوير..