الحسن ولد محمد : إشكالية الصرف الصحى يجب مواجهتها دون تأخير (*)

مع كل موسم خريف ترتفع الأصوات المنددة بوضع الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط، وما تخلفه الأمطار من مياه تغمر الشوارع، وتضر بالممتلكات وبالصحة العامة، كما تشوه وجه العاصمة. ورغم أن السلطات الحالية لا تتحمل المسؤولية كاملة عما نشهده اليوم، فإنها تتحمل مسؤولية العلاج الآني، وتتحمل بشكل أعمق مسؤولية العلاج الاستراتيجي.

لقد أسست نواكشوط عند تأسيسها على شبكة صرف صحي جيدة، ولكنها لم تتوسع معها للأسف الشديد. فصار جل العاصمة الآن من غير صرف صحي، ولا مجاري لتصريف مياه الأمطار. ولم يقع من المحاولات الجدية إلا ما وقع زمن الرئيس طيب الذكر سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ولكنه لم يقطع خطوة ككل المشاريع التي عاجلها الانقلاب المنحوس.

ومع أن النظام الانقلابي مارس الدعاية بالوعد بإنجاز مشروع الصرف الصحي إلا أن رئيسه قال في إحدى خرجاته الإعلامية بطريقة غير موفقة "وعرو اعلينا"! وانتهى المشروع عندها. ولم ينجز ما يستحق الذكر، رغم الجهود الذي بذلت في مجاري صرف مياه الأمطار، إلا أنها كلما ازدادت كميات الأمطار تبين عجزها.

إن هذه الوضعية التي تعرفها العاصمة كل سنة تعد كارثية بكل المقاييس؛ فمياه الأمطار تلوث البيئة وتسبب الأمراض المختلفة. ونواكشوط مدينة يهددها الغرق كما هو معلوم وتقع تحت مستوى سطح البحر، وقد ارتوت تربتها طيلة العقود الماضية من المياه المستهلكة التي لا تصرف في شبكات وإنما تمتصها التربة وتتجمع في طبقات الأرض.

كل هذه الاعتبارات تجعل التفكير الجدي في إنشاء شبكة صرف صحي، وشبكة لتصريف مياه الأمطار من المشاريع المستعجلة التي لا يمكن التغاضي عنها، مهما تكن التكلفة التي تحتاجها. فهذه التكلفة لن ينقصها التأخير، وحتى لو اضطرت الدولة إلى أساليب تمويل جديدة مثل وضع مبلغ رمزي (مائة أوقية قديمة على بعض فواتير كهرباء المنازل، و100 أوقية قديمة على فواتير المصانع والشركات البنوك) فإنه لا بد من الشروع فيه دون تأخير.

إن الأساليب التي تعالج بها المشكلة الآن لا يمكن أن تكون حلا دائما، مع حاجته إلى التطوير والتوسيع. نحن مثلا في بلدية عرفات نتخذ إجراءين بعد كل هطول للأمطار؛ الأول: فتح سجل لتسجيل الشكاوى والاستجابة لها حسب الأولوية. ونحن لله الحمد البلدية الوحيدة من بين بلديات العاصمة التي تمتلك صهريجا لشفط المياه. الثاني: مسح ميداني للمناطق المتضررة من المياه. ونستعين في التدخل فيها بالجهات المختصة والوصية، مثل المكتب الوطني للصرف الصحي، والحماية المدنية، والمجموعة الحضرية. وفي الحقيقة فإن استجابة هذه الجهات كانت دائما مقبولة وتتطور مع الزمن، رغم محدودية قدراتها وأولويات التدخل لديها.

ولكن كل هذه الجهود كما قلت هي من باب الحلول المؤقتة، والآنية، ولا يمكن أن يستمر الاقتصار عليها؛ فهي من جهة لا تأتي إلا بعد انتهاء الأمطار، مما يعني أنها قد لا تساعد في حال وصل مستوى الأمطار إلى إغراق بعض المنازل لا قدر الله. كما أن طاقتها تقف عند حدود معينة، وتصبح عملا أقرب إلى العبثية في حال تواصل هطول الأمطار لأيام، أو هطلت بكميات كبيرة في أيام متقاربة.

لذلك أعود وأقول: إن مشروع الصرف الصحي للعاصمة نواكشوط ليس من باب الترف العمراني أو الرفاه، وإنما هو ضرورة مثل المستشفيات، والشوارع، والمدارس، أو هو أشد ضرورية من بعضها، لأن عدم وجوده يعطل جزءا كبيرا من أعمالها. ويخلف أضرارا صحية واقتصادية وبيئية كثيرة.

(*) عمدة عرفات بنواكشوط الجنوبية