يترقب الشارع السياسى بموريتانيا منذ أشهر ماستؤول إليه الحرب الدائرة بين معسكر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى ورفيقه السابق محمد ولد عبد العزيز، وسط معلومات شبه مؤكدة عن دخول الملف المرحلة قبل النهائية، بإحالة المشمولين فيه إلى النيابة العامة بموريتانيا خلال الأيام القليلة القادمة.
الملف الذى يشمل بعض المعارضين للرئيس الحالى وبعض أعوانه يعتبر أول ملف حساس تديره السلطة الحالية منذ تولى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى مقاليد الأمور قبل سنة وشهرين، وسط غموض يلف مصير مجمل المشمولين فيه، بعدما تركزت الأضواء خلال الأسابيع الأخيرة على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وصهره رجل الأعمال محمد ولد أمصبوع، وبعض أقاربه ممن يديرون بعض ممتلكاته، وتم تداول صور لبعض المخازن والأملاك المنسوبة إليه، مما أثار الكثير من اللغط حولها قبل المؤتمر الصحفى الذى عقده، ليتم سحبها من التداول الإعلامى خلال الأسابيع الأخيرة دون أي توضيح.
النخبة السياسية المعارضة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والموالية لخلفه محمد ولد الشيخ الغزوانى حسمت أمرها بشكل جماعى، وأعلنت فى بيان مشترك دعمها لمجمل الإجراءات المتخذة ضد ولد عبد العزيز وكبار معاونيه السابقين ، وطالبت باتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة ما أسمته أموال البلاد المنهوبة خلال حكمه، ووضع حد للفساد الذى رسمت صورة قاتمة له، مع المطالبة بإعطاء الضمانات القانونية لكل المشمولين فى الملف دون محاباة أو تجاوز للقانون.
وقد تحركت أو حركت قوى مدنية أخرى (هيئات المجتمع المدني ) لعقد مؤتمر حول الفساد وضرورة مواجهته، قبل أن يتم تعليق المؤتمر أو تأجيله إلى إشعار جديد، مكتفين بندوة صحفية مشتركة بين العديد من الجمعيات المعترف بها من قبل مفوضية حقوق الإنسان والمجتمع المدنى بموريتانيا، لمناقشة ظاهرة الفساد واتخاذ موقف منها.
الهيئة الوطنية للمحامين لم تترد فى دخول المعركة الحالية، وتصدر أبرز رموزها الحراك المطالب باستعادة الأموال المنهوبة، ولم يخف البعض حماسه لعقد أكبر صفقة مع الخزينة العامة للدولة يتم بموجبها التعامل مع ٦٠ محاميا من خيرة المحامين للدفاع عن الحقوق المالية للدولة الموريتانية (مصالح الخزينة العامة للدولة ) ، ضمن شعار أجمعت عليه القوى المساندة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى وهو استعادة الأموال المنهوبة خلال العشرية الأخيرة.
الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز واصل موقفه المعلن من الملف منذ بداية تحريكه داخل البرلمان، رافضا التجاوب مع اللجنة البرلمانية وتقريرها، والشرطة وتحقيقاتها، مؤكدا أن الملف برمته يدار من طرف الرئاسة الموريتانية، ويهدف بالأساس إلى تركيعه وتشويه صورته أمام الرأي العام والانتقام منه، بعدما رفض فكرة اامرجعية خلال أزمة الحزب الحاكم (نوفمبر ٢٠١٩) ، وتمسك بحقه الدستورى فى ممارسة العملية السياسية من أي يافطة قانونية متاحة له، والبقاء داخل الساحة المحلية، ورفض فكرة المغادرة إلى الخارج، أو القبول بما آلت إليه الأوضاع بموريتانيا خلال الأشهر الأخيرة.
ورغم التكتم الشديد على مجريات التحقيق الجارى من قبل الشرطة، وغموض العلاقة بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والتهم الموجهة لعدد من معاونيه السابقين بشأن الملفات المثارة أمام القضاء، والخلاف القانونى بين دفاع الرئيس السابق، والنيابة العامة حول مدى دستورية الإجراءات المقام بها، إلا أن تشديد الإجراءات الأمنية ضد الرئيس السابق ومحيطه، وخروج الداخلية ببيان صارم حول ضرورة خضوع الجميع للقانون، وتلويحها بالقبضة الأمنية فى مواجهة أي مخالف، والتصعيد الاعلامى والسياسي ضد الرجل من بعض رموز الأغلبية، يكشف عن طبيعة القرار المتوقع اتخاذه من طرف القضاء تجاه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والذى يكاد يجمع أغلب المهتمين بالملف وتداعياته السياسية والأمتية، بأنه سيكون ثانى رئيس يحال من طرف القضاء للسجن منذ بداية العملية الديمقراطية ١٩٩١ ، بعد أن بلغ خلافه مع خليفته فى الحكم مراحل يصعب فيها التراجع، وغابت فيها أنصاف الحلول.!