بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم
أيها السادة والسيدات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ها نحن نجتمع مرة أخرى لتنفيذ ثاني الورشات التفكيرية، وهذه المرة حول موضوع "تموقع موريتانيا في شبه المنطقة" وذلك في إطار مواصلة إنجاز الورشات التي قرر الحزب تنظيمها حول الوحدة الوطنية والآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجيواستراتيجية للبلاد، و يكتسي موضوعنا اليوم أهمية كبيرة، نظرا للدور الذي تلعبه ويمكن أن تلعبه بلادنا بحكم موقعها المتميز، كجسر جغرافي، وتاريخي، وثقافي، واجتماعي، واقتصادي، بين إفريقيا والمنطقة العربية، وامتداداته الكبيرة على المحيط الأطلسي.
لقد لعب آباؤنا الأول في شنقيط وبلاد التكرور، دورا تاريخيا رائدا في نشر الدعوة ، والثقافة والحضارة الإسلامية في كل المناطق المحاذية، وهو دور ستظل الذاكرة الجماعية لسكان منطقة غرب إفريقيا بشكل عام تحتفي به لما قدم للمنطقة وللعالم من نور وهداية لا زالت تؤتي أكلها كل حين، ولا بد هنا أن نستحضر ما خلفته الدولة المرابطية، وغيرها من الدول والإمارات التي قامت على هذه الأرض، من أثر في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، والدفاع عن ثغوره، وترسيخه، وتوسيع رقعته، حيث عملت على توحيد الغرب الإسلامي، من خلال المغرب والأندلس والصحراء، وقد واصل بعد ذلك الدعاة، والفقهاء، والتجار، الدعوة للإسلام ونقل الثقافة الإسلامية والعربية من الشمال الإفريقي، إلى غرب إفريقيا، في تناغم عربي إفريقي فريد، عبر مدن ولاته، وشنقيط، وتيشيت، وودان، وشقيقاتها من المدن الكبرى في الساحل والضفة.
ثم جاءت مرحلة الحركات الصوفية، التي اضطلعت بربط الصلات الوثيقة بين مكونات المجتمعات في المنطقة، مما أسهم في تلاحم تاريخي ظل صمام أمان للانسجام بين الشعوب، وأداة للتفاعل والالتحام أمام عاتيات الزمن، ومع إنشاء الدولة الوطنية تولد الوعي بأهمية النهوض بالواجب التاريخي والحضاري للبلد وتطويره، واستلهام مكانة شنقيط التي حفرت في ذهنيات كل الشعوب المجاورة.
سادتي الأفاضل،
لقد كان استيعاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لهذا الألق التاريخي، من أهم أسباب حرصه على أن تستعيد موريتانيا مكانتها الحضارية، وتلعب دورها التاريخي، من أجل أن تكتمل شخصيتها الثقافية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية.
وهكذا بدأت بلادنا مع تسلم فخامته مقاليد الأمور، تنفتح على دول الجوار ، وعلى كافة الشركاء برؤية جديدة، قوامها تبادل المصالح والمنافع لتستفيد شعوب المنطقة من خيراتها، في أمن ورخاء، لتواكب الدولة الموريتانية هذا التوجه بالقيام بإصلاحات مؤسسية وهيكلية، تهدف إلى وجود اقتصاد مزدهر وتنافسي، يواكب الإصلاحات الواردة في خطة العمل بشأن استراتيجية السلطات من أجل "النمو المتسارع والرفاه المشترك" ، وتوصيات الدراسة التشخيصية للتكامل التجاري، من أجل التحرك نحو استراتيجية نمو تكون أ شمل من ذي قبل، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في القطاعات الإنتاجية لتسهيل التبادل، وتطوير فكرة السور الأخضر العظيم، ووضع أهم الآليات لحماية البيئة، وإزالة المعوقات الرئيسية أمام تطوير الحكامة الرشيدة.
لقد أضحت دبلوماسية البلاد تعيش مراحل من التمدد، وإعادة التموقع، وفق رؤية جديدة قوامها الدفاع عن مصلحة البلد في كل نقطة من العالم، حيث أراد لها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أن تكون مرتكزا للعلاقات الجيدة مع أغلب دول العالم، ودول الجوار بصفة خاصة، وهو ما أكدته الأدوار الريادية التي أصبحت بلادنا تلعبها، ضمن المجموعات الإقليمية، مثل منظمة استثمار نهر السنغال، ومجموعة دول الساحل الخمس، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، واللجنة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في الساحل، واتحاد المغرب العربي، والاتحاد المتوسطي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإقليمية والقارية، التي أصبح حضور البلاد فيها يزداد قوة على كافة الأصعدة.
وتشكل حرية حركة البضائع والأشخاص، ومحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، أهم الأهداف التي تسعى إليها بلادنا من وراء التوقيع على مجمل الاتفاقيات مع الدول والمنظمات الإقليمية، وهو هدف يتيح الكثير من المزايا التجارية والجمركية، ومع ذلك فإن مستوى التبادلات بيننا وأغلب هذه التشكيلات لا زال دون الطموحات المعلقة عليه، رغم التوقيع على كثير من الاتفاقيات، التي لم يجد أغلبها بعد طريقه إلى التطبيق.
أيها الجمع الكريم،
إنكم مدعوون اليوم من خلال هذه الورشة، بحكم ما تملكون من رؤية وبصيرة، إلى البحث عن أهم الآليات التي تجعلنا قادرين على الحصول على أكبر قدر من المزايا التي يتيحها موقع بلادنا الجغرافي، ومكانتها وخصوصيتها الطبيعية والبشرية.
أرجو لأعمالنا التوفيق والنجاح. وأعلن على بركة الله افتتاح أعمال ورشة "تموقع موريتانيا في شبه المنطقة" التي ينظمها الحزب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.