بعد أسبوع من الترويض علي مواجهة الرأي العام الداخلي والخارجي، والتكيف مع مقتضيات البث المباشر في عصر الرقمنة، وبعد ثلاثة أسابيع من المؤتمر الفضيحة، ومع بداية "الأمل" ونهاية "العاصفة" يتجدد لقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبعض رموز المشهد الصحفي بموريتانيا لمناقشة الواقع وطرح "هموم" الشعب، و"آمال" النخب المحلية، ونقاش آخر فصول المسرحية التي قام بها قبل أسبوع.
يتحرك حرس الرئيس وبعض المقربين منه داخل الحديقة الخلفية للقصر من أجل ضبط حركة "القطط السمينة" السائبة، فالظهور غير المبرمج لها هو اعلان مجاني تأباه مواثيق الشرف الصحفي، وفي الهزيل المروض منها مندوحة اذ كان ولابد للرئيس من قط أو حيوان أليف مع كل اطلالة علي الجمهور المنكوب بجهل حاكمه بالواقع الذي يتحرك فيه، واتقان مساعديه لعبة التمويه والخداع والتلاعب بالبرامج والمشاريع.
يقلب الرئيس لائحة المواقع والصحف المدعوة للحفل أو المؤتمر أو المهرجان أو الفلم القصير (تعدد الأوصاف والهدف واحد) قبل ساعات من بداية البث المباشر، ويستعين بخيرة مستشاريه من أجل تنقية الحقل الإعلامي قبل انطلاقة النشاط الأهم داخل البلد، ويطمئن لوجود فني قادر علي اغلاق البث بمجرد الإشارة لا التصريح تحسبا لمفاجئة غير متوقعة، أو خروج عن المألوف من حسن التعامل مع الرؤساء، أو طرح مخرج لصاحبه من حقل "الموضوعية" وكل مشتقاته المعروفة لدي المواطن البسيط.
تعددت الأسماء والغرض واحد، وتنوعت الوسائط والمنتج مشترك، وغربلت اللوائح من لدن خبير أمين، واستقر الرأي علي خيرة الصحفيين أو صحفيي (...).
يحاول الرئيس المنشغل بهموم شعبه جاهدا تذكر صورة لعدد واحد، أو برنامج واحد في وسيلة اعلامية واحدة، أو قصة اخبارية واحدة عن ملف واحد، انحاز فيها محاوروه للشعب وهمومه، أو البلد المنكوب برموزه، أو نقلوا فيها أو بها احساس الشعب لقاتله، أو انحازوا فيها لفقير جهله التاريخ وظلمته جغرافيا المنطقة المحكومة بحلف فضول مفضول، فلا يري غير العدل مع الحاكم، والقسط مع الحاكم، والسماحة مع الحاكم، والانحياز للحاكم ظالما لامظلوما، فيدرك بالبديهة وهو الرئيس الحاذق اللبق صدقية معاونيه ونزاهة مساعديه وسلامة ملف محاوريه.
توجد بالطبع استثناءات وهي شذوذ يؤكد القاعدة، وصحفيون محترفون لا منحرفون، ووسائل اعلام صادقة وفاعلة ومؤثرة، لكنها في النهاية ديكور يجمل به الحاكم مؤتمره كل مرة، وعنوان لمصداقية يحاول بعض مساعديه التأكيد من خلالها علي جدية النشاط وفاعليته، رغم أن الخطوط العريضة له يجب أن تكون موجه للرأي العام المحلي لا الدولي، ويناقش فيها الرئيس واقع المدارس والمراكز الصحية والسدود الشكلية ونقاط توزيع الأسماك في فضل الضيف بالحوضين ولعصابه وكوركل.
يتحرك الرئيس عبر السيارات الفارهة والطائرات العسكرية لزيارة المناطق الداخلية، وتتحرك قوي اعلامية مؤمنة بمهمتها لتغطية الحدث، ونقل أخبار الرئيس للشعب، وتسليط الضوء علي مظاهر القصور ومكامن الخلل، مع المنجز للناس وهو قليل، وكشف مظاهر الجدية في الزيارة وهي أقل، وحينما يعود الرئيس للعاصمة من رحلة التيه الممتدة أكثر من أسبوع، يتحرك أعوانه لحشد جيش من اعلامي " موري سانتر" و"كرفور بكار" للمشاركة في مؤتمر الرئيس.
يزور الرئيس "كوبني" و"تامشكط" و"اظهر" و"جكن" فيدعو أعوان الرئيس وكبار مساعديه بعض نشطاء " المذرذرة" أو " العصماء" أو "بوقي" لطرح أسئلة تتعلق في الغالب بأعماق "المحيط الأطلسي" أو "جبال آدرار" أو مناجم "تيرس زمور" أو حركة رجال الأعمال والمالي في الجوار الإقليمي، وتغيب المناطق المزورة والهموم المعاشة.
إنه "بصاق الأعمي" يتجدد كل مرة في قصر الرئيس، شهوده كثر، وفاعله معروف، وأعوانه يتوزعون بين الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع...
فمتي تنتهي مسرحيات الرئيس بقصره؟ أو علي الأصلح مسلكيات معاونيه المشينة؟
زهرة شنقيط