في البداية أود التنبيه إلى أن ما سأقدمه سيكون مفاتيح لاستدرار النقاش والأفكار حول المسار السياسي للمرأة الموريتانية خلال مسيرتها في عالم السياسة والتأثير في الحياة العامة مركزة على الميدان العملي والتجربة السياسية كما سأبتعد عن المفاهيم الاكاديمية وأساليب الالقاء والتلقين
وسيكون المعول عليه بعد الله تعالي تعقيباتكن وإضافاتكن لما تقدمه هذه الورقة الموجزة التي نبدأ حديثها عن موضوع :
المسار السياسي للمرأة الموريتانية
(قراءة في المسار والتأثير)
تضطلع المرأة بأدوار اقتصادية واجتماعية بالغة الأهمية انطلاقا من محوريتها في إدارة شؤون الأسرة وإسهاماتها في المجال الاقتصادي إنتاجا وإدارة وتسييرا
وفي المجال الثقافي برعت المرأة الموريتانية في التعليم وتدريس التهجي للأطفال حيث يرتبط التعليم المبكر في موريتانيا بالنساء باعتباره أحد التخصصات التي أبدعت فيها النساء وتجاوزته إلى تعمق والتخصص وهو ما أشار إليه بن بطوطه ودونه في رحلته التي قادته إلى ولاتة حيث تحدث عن حفظ المرأة الموريتانية للنصوص والمتون العلمية بشكل غير مسبوق.
وبشكل عام فقد ظلت المرأة الموريتانية استثناء في محيطها الافريقي والعربي وشكلت نموذجا في شبه المنطقة وذلك لما تتحلى به من إصرار على التأثير وقدرة على القيادة تميزت بهما في وقت مبكر من عمر الدولة الموريتانية
ويكفي أن نذكر بعض الأسماء النسوية التي سطرت أسماءها في سجل المشاركة السياسية للمرأة والتأثير النسوي في الحياة العامة وهنا سنذكر:
ـ اخناثة بنت بكار التي تجاوز تأثيرها القطر الموريتانية وكانت مستشارة تتميز بقدر من الدهاء والحنكة لدى الملك المغربي مما جعله يمنحها مكانة خاصة في البلاط الملكي؛
ـ لالة عيشة منت لزرك التي أسست أول صالون ثقافي في البلد؛
ـ عيشة كان أول وزيرة في عهد الرئيس المؤسس المختار ولد داداه؛
وقد ارتبط اسم المرأة الموريتانية وتضحياتها في العمل السياسي إبان استقلال الدولة الموريتانية حيث كانت حاضرة وفاعلة في حزب الشعب وفي الحركات السياسية التي عرفتها البلاد مع الكادحين والنهضة وفي جميع الحركات السياسية والتيارات الفكرية التي عرفتها البلاد
وعلى المستوى الرسمي ظل الحضور النسوي معتبرا وإن بدرجات متفاوتة في مختلف الحقب السياسية مما ساهم في تبوأ المرأة مناصب معتبرة في المجالات التنفيذية والتشريعية؛ إضافة إلى أدوارها السياسية الهامة حيث فرضت لها خلال المرحلة الانتقالية 2006 نسبة 20 في المائة في الجمعية الوطنية ثم بعد ذلك استحدثت اللائحة الوطنية للنساء التي تبلغ 20 نائبا من النساء لتعزيز هذا التوجه وأشفع بفرض تمثيلهن في اللوائح المنتخبة عبر نظام التمثيل النسبي على مستوى النواب والمجالس الجهوية والمحلية وهو ما من شأنه أن يعزز المشاركة السياسية للمرأة ويضمن حضورها في المقاعد النيابية لكل دائرة انتخابية يزيد عدد سكانها عن 90 ألف نسمة إضافة إلى حضورها في المستشارين البلديين والجهويين وهو ما أسهم علاوة على ذلك في رئاستهن لمجالس محلية عدة إضافة إلى المجلس الجهوي للعاصمة الذي يعتبر أهم المجالس الجهوية في البلاد.
وعلى المستوى التنفيذي حجزت المرأة الموريتانية وظائف قيادية في قطاعات وزارية مختلفة وترأست الدبلوماسية الموريتانية وكان لها الحضور المعتبر في الإدارة الإقليمية والمركزية ومثلت بلادنا في البعثات الدبلوماسية خير تمثيل
وبما أن السياسة والاقتصاد صنوان لفلسفة واحدة فإن تأثير المرأة في أي منهما مرتبط بما أحرزته في الثاني لذلك فإن التمكين الاقتصادي للمرأة يعتبر المدخل الضروري لتمكينها السياسي وبالتالي فإن تشجيع ولوج النساء للقروض والاستفادة من المشاريع التنموية والوصول إلى المرأة الريفية وضمان مشاركتها السياسية وتطوير مهاراتها المعرفية والقيادية تعتبر تحديات ينبغي أن تتضافر الجهود للدفع بها نحو الأهداف المرسومة والمرامي المطلوبة
وفي المجال الاجتماعي فإن ترقية استقرار الاسرة والحد من وفيات الأمهات ومكافحة التسرب المدرسي والعنف ضد المرأة قضايا وهموم تشكل مشاغل لكثير من النساء وتؤرق بعضهن ولا يمكننا قراءة المسار السياسي للمرأة في يومها الدولي دون الإشارة لهذه المشاغل والهموم .
وفي الأخير لا يسعني إلا أن أنوه بما أظهرته المرأة الموريتانية من كفاءات وقدرات عالية في مختلف المهام التي أسندت لها كما أضع بين أيديكن للنقاش والاضافة والتحليل بعض التحديات التي من شأن التغلب عليها زيادة المشاركة السياسية للمرأة الموريتانية وتطوير أدائها
ومن أبرز هذه التحديات :
ـ تحرير طاقات المرأة والتخفيف من عبء ضغط المهام المنزلية دون التفريط في أي من التزاماتها الأسرية المقدسة
ـ ترسيخ مبدأ المساواة والاستقلالية الاقتصادية للمرأة
ـ تحقيق طموح المرأة في المشاركة بكثافة في التنمية والوصول إلى مزيد من الوظائف القيادية والرفع من مستوى تمثيلها السياسي والإداري في مختلف دوائر صنع القرار
ـ مشاكل المرأة الريفية في مجال التعليم والصحة والتكوين
والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته
وكل عام والمرأة الموريتانية بخير
وكل عام والمرأة العربية والافريقية في تقدم وازدهار .