جولة الحوض.. أيام لها إيقاع / الدكتور أحمد سالم ولد فاضل

تزاحمت الخواطر في ذهني حين فكرت في كتابة انطباعات عن ختام الجولة التي قادتني ورفاقي في بعثة حزبنا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلى الحوض الشرقي. فبأي شيء أبدأ؟ وأي الملاحظات أولى بأن تعرض على من لم يعايشوا الرحلة؟ هل أبدأ بالروح التى استقبلتنا ورافقتنا طيلة أيامنا العشرة في الولاية؟ أم أقدم ذلك الإلتفاف الصادق حول برنامج فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وتلك الصراحة العميقة التي يعبر بها الناس العاديون عن موقف الدعم المتشبع بالثقة والأمل بغد تتحقق فيه أحلام السكان؟

لقد وجدت أن ازدحام هذه الخواطر قد يعيقني عن الكتابة؛ ولا بد من بداية تنطلق منها هذه الخواطر. كنت في كل مرة نلتقي فيها جمعا جديدا من ساكنة الحوض أحاول أن أضبط الأشياء الجديدة التي تميزه عن سابقه.. لكني وجدت في كل مرة أن هناك ثوابت لم يشذ عنها أي متحدث أو مستقبل طيلة أيام الجولة التي غطت كل المقاطعات.
لقد كانت الطيبة والكرم حالة بادية على الوجوه قبل أن تقولها التصرفات وتنطق بها الألسن. إن كل من عرف الموريتانيين حق المعرفة يجد فيهم من غير حاجة إلى تأمل شيم الكرم، خاصة إكرام الضيف، ولكن الذي لمسناه طيلة جولتنا في ولاية الحوض الشرقي كان شيئا خالط النفوس وأرسلته القلوب إلى القلوب. لقد رأينا البذل والعطاء والتضحية وإنكار الذات وكأنها سلوك ذاتي للإنسان مثل التنفس، والحركة والحديث. وفي كل مرة كنت أظن أن الأمر بلغ منتهاه، إلا أني أجد أن ذلك مجرد وهم.. فلا منتهى لكرم وطيبة سكان ولاية الحوض الشرقي..

كان لافتا أن عزيمة الناس لا تفتر رغم الحركة الدائبة والبرنامج المشحون للزيارة واللقاءات الكثيرة، وقد وجدت من التشجيع دائما ما يشد من عزيمتي على مواصلة الليل بالنهار من أجل الاستماع إلى السكان، ومحاولة رفع مطالبهم بأقصى درجات الدقة التي أمكنتني.

لم أكن حين بدأ الحديث عن البعثات أطمح لرئاسة بعثة، ولم يخطر ببالي أن أكون المختار لرئاسة بعثة الحوض الشرقي، وحين قررت القيادة أن أكون في هذا الموقع راودتني مشاعر مختلفة، مزيج من الرهبة والغبطة والخوف.. فقد كنت واعيا بمكانة الحوض الشرقي، وبثقلها في تفكير وتخطيط فخامة رئيس الجمهورية وقيادة الحزب، ولذلك تملكتني الرهبة.. ولكني اليوم وقد عدت من الولاية لا أجد الكلمات التي تمكنني من التعبير عن امتناني وشكري لقيادة الحزب التي اختارتني لبعثة ولاية الحوض الشرقي. لقد كانت تجربة فريدة انطبعت في ذهني منها صور كثيرة تتزاحم علي كلما فكرت في عرض واحدة منها.

لقد ثبت لي أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية برؤيته الجديدة أصبح مشروع مجتمع حقيقي، مبني على أسس صلبة من القناعة والتضحية والتفاني، والإيمان بالمبادئ، وهي اللبنات التي يحتاجها أي مشروع للنجاح. لقد تجسدت أمام هذه الرؤية في ولاية الحوض الغربي؛ نسائها ورجالها وشبابها، ومنتخبيها. إنهم فعلا أبناء المشروع الاتحادي وبناته، ومناضلوه المقتنعون به.

لقد خرجت بخلاصة مؤداها أن للناس حوائج يجب على الدولة أن تسعى فيها، وأن تعمل جاهدة من أجل أن يعيش الناس الحل في واقع حياتهم. نعم لقد تحقق الكثير في هذا الظرف الوجيز والحساس جدا، وقد أحس الناس بالفرق، وتحدثوا عن الإنجاز..

ومع ذلك ما زال هناك الكثير من حاجات الناس الأساسية يتطلب إرادة جادة.

أخيرا، وهي رسالة إلى إخواني وأصدقائي رؤساء بقية البعثات، إن الشعب الموريتاني استوعب مضامين توجهات فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وإنكم ستقدمون على جماهير غفيرة تتشبث بهذا البرنامج، وترى فيه أملها بالخلاص، فاحملوا همومها، وأوصلوها إلى حيث يجب أن تصل.. أنصتوا إلى تلك المرأة وذلك الشيخ وذلك الشاب..

اسمعوا منهم همومهم.. واعلموا أنكم لستم أحرص منهم على هذا الوطن.. ولستم أحرص منهم على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

وإلى قيادة حزبنا؛ لقد تأخرنا في الاتصال بالمواطنين كما عبرتم أكثر من مرة، ويجب ألا نتأخر مرة أخرى؛ فهؤلاء المواطنون يريدون من يستمع إليهم أولا، ثم يكلمهم بصدق، ويبحث معهم همومهم، ومشاغلهم، ثم بعد ذلك سيجد قلوبا مفتوحة إن أعاقت الظروف تنفيذ بعض المشاريع، أو جرى تقصير في بعض المحطات، كما هي الأحوال التي تعتري البشر وأعمالهم دائما.

وإلى من يختلفون على قضايا مصلحية ضيقة، أو يتنافسون في غير إنجاح هذا البرنامج؛ يجب أن تتأخروا خطوة لفسح المجال أمام طاقات خلاقة مؤمنة بهذا البرنامج منخرطة في مشروعه.

بقي أن أشكر كل الذين ساهموا في نجاح هذا العمل كل باسمه وصفته وأخص منهم سكان الحوض الشرقي، وأطره ووجهاءه، والسلطات الإدارية، والإعلاميين، وزملائي أعضاء البعثة الذين كانوا سفراء لحزبهم ولمشروعهم وتحملوا في سبيل ذلك التعب والسهر.