وزعت كتلة حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض ليلة البارحة ملخصا لأبرز الأسئلة التي وجهها نواب الحزب وشيوخه لأعضاء الحكومة خلال الفترة المنصرمة حول قضايا مختلفة.
وقد صدر الحزب كتاب الكتلة الأول عن أنشطتها السنوية باستجواب وجهته النائب توت بنت الطالب النافع لوزير العدل سيدي ولد الزين حول السجون بموريتانيا، والظروف البائسة للسجناء، وهو الاستجواب الذي ردت عليه الحكومة باغلاق سجن صلاح الدين بعد يومين فقط من مثول وزير العدل أمام البرلمان اثر حادثة وفاة معروف ولد الهيبة الشهيرة.
وهذه نص المداخلة التي عرضتها النائب أمام البرلمان :
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا السيد الرئيس
شكرا السادة النواب
مرحبا بالوزير ومرافقيه
في التاسع من يوليو 2012 لفظ السجين المالي مامادو أتراوري أنفاسه داخل السجن بفعل المرض وضعف الرعاية الصحية،وفي العاشر من أكتوبر 2012 توفي السجين الشيخ التجاني ولد ابراهيم داخل السجن بفعل المرض ذاته بعد أن تم منعه من زيارة المستشفي رغم خطورة حالته الصحية.
وفي الثامن عشر من ديسمبر 2012 توفي آمادو جينك بفعل سوء التغذية، بعد ثلاثة أيام من وفاة أحمد ولد أسليمان بعد معاناة مريرة مع المرض استمرت أكثر من شهر داخل الزنزانة التي يقبع فيها دون رعاية بعد ثلاث سنوات من الاحتجاز دون محاكمة. كما هو حال أغلب السجناء.
وقبل الجميع لفظ السجين سيدي ولد صمب أنفاسه داخل سجن دار النعيم بعد إصابته بالسل ورفض إدارة السجن توفير العلاج له أو عزله عن السجناء الآخرين ممن أصيب منهم العشرات بعد ذلك.
ليس المرض وحده من يفتك بأرواح السجناء مهما كانت خلفية المعتقل أو خطورة التهمة الموجهة له، بل إن الإهمال والتعذيب والإخفاء القسري أمور أخري تبعث علي القلق، وتستدعي من الحكومة والبرلمان إعادة النظر في واقع السجون.
ففي العاشر من مارس 2014 دخل السجين معروف ولد الهيبة في اضراب عن الطعام داخل القاعدة العسكرية بآدرار للفت الانتباه إلي وضعه الصحي المتدهور والآلامة الحادة التي يشعر بها في الكلي، وفي الثاني عشر من مايو سلم جثة هامدة لذويه داخل المستشفي العسكري بنواكشوط.. وبين مارس ومايو كانت زنازين السجناء شاهدة علي انتهاك خطير لحقوق الإنسان، وغياب تام لدولة العدل والقانون، وتنكر مطلق من قطاعكم المحترم لمجمل الاتفاقيات التي وقعنا عليها والقوانين التي تنص على ضمان كرامة الناس.
معروف ولد الهيبة ليس الوحيد الذي راح ضحية التعذيب وغياب الرعاية داخل السجون الموريتانية خلال الفترة الأخيرة من حكم النظام الحالي، فقبله سلم الشيخاني ولد سيدنا ( ابريل 2009) جثة هامدة لذويه بعد أن لفظ أنفاسه في القاطع الخامس بالسجن المركزي في شهر رمضان ممنوعا من العلاج رغم الدعوات المتكررة لتمكينه من حق مكفول، والتحذير الذي اطلقه رفاقه في المعتقل وأقاربه دون أن يجد صدي في نفوس القائمين علي القطاع رغم أن محكوميته شارفت علي الانتهاء.
وفي أكتوبر 2012 سلم الحسن ولد هاديه جثة هامدة إلي والدته بعد أيام من اعتقاله بعد أن لفظ أنفاسه تحت سياط ضابط من الحرس كان – كما يقول رفاقه- يهوي مهنة تعذيب السجناء الجدد داخل سجن دار النعيم.
ومنذ استلام الحكومة للسلطة قبل خمس سنوات ظلت زنازين السجناء شاهدة علي انتهاك خطير لحقوق الإنسان، وغياب تام لدولة القانون، وتنكر مطلق من قطاعكم المحترم لمجمل الاتفاقيات التي وقعنا عليها والقوانين الضمانة لكرامة البشر.
لقد استمر الحبس التحكمي رغم تحذير المحامين، ولم تنجح الحكومة في إنقاذ السجون من الاكتظاظ وتموين السجناء من النهب، وخلطت بين القصر الجانحين وكبار المجرمين المتهمين بالقتل وحمل السلاح علي الدولة.
في السجن المركزي بنواكشوط تبدو الوضعية قاتمة وبالغة السوء..
(1) المياه العكرة تغمر الممرات والساحات وزنازين السجناء البالغ عددهم 138 بينهم 36 قاصرا بعضهم لما يبلغ الخامسة عشر من عمره.
(2) النظافة ناقصة والأثاث ناقص والنفايات تملأ الممرات والزنازين.
(3) والسجناء ينتظرون صدور الأحكام المتأخرة، وعاملات المطبخ الثلاثة معرضات لمخاطر جمة إذا حدث أي تمرد داخل السجن، والأطباء غائبون.
أما في دار النعيم فالواقع أسوء، والإهمال أكبر في زنزانة تحتوي علي 900 سجين، مكتبة بلا كتب، ودورات مياه معطلة، وقد عبث بها، وفراش بال، أما ورشات إعادة التأهيل فهي علي الأوراق فقط.
والسجناء بعضهم انتهت فترة محكوميته منذ زمن، لكن إهمال القطاع للسجون حولهم إلي أسري بيد سلطة منشغلة، وآخرين منعهم الفقر من مغادرة المكان.
سيدي الوزير
هذه حقائق مشهودة ووقائع ثابتة تكشف مستوي الإهمال الذي تعاني منه السجون الموريتانية، وغياب الرقابة، وضعف التجاوب مع الإنذارات الموجهة من طرف المنظمات الحقوقية الوطنية والخارجية وبلاغات التعذيب المقدمة من قبل السجناء، والشكاوي اليومية من سوء المعاملة وضعف الخدمات الصحية والمعاش الذي كلفتم بتوفيره لمجمل السجناء.
وهي فرصة لنطالب بشكل مستعجل بتشكيل لجنة برلمانية لزيارة السجون والإطلاع علي أوضاع القابعين فيها، من ضحايا السجن التحكمي، إلي أصحاب المظلوميات المؤجلة، إلي ضحايا التعذيب وخصوصا من القصر الجانحين، إلي واقع سجن النساء المزري الذي تحول إلي مكان لاستشراء الجريمة وتدمير أخلاق نزلائه من أصحاب الأخطاء البسيطة.
ولكن الأهم من ذلك أن تأخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار، وأن يحقق في بلاغات التعذيب وهي كثيرة، وأن ينتهي عهد السجون السرية داخل الثكنات العسكرية، لأنه يذكرنا بماض نريد أن نناساه ..
فمن يتشرف اليوم بما كان يحصل في سجن أجريده؟ أولاته؟ أو شنقيط؟ وهل من المفيد اعادة أخطاء من سلفوا أو لعب دور شاهد الزور؟.
السيد الوزير المحترم
إن التعذيب بات للأسف مصدر قلق للأهالي قبل السجناء،بحكم ممارسته من قبل الأجهزة الأمنية أثناء الاحتجاز والتحقيق،وداخل السجون أثناء الحبس التحكمي،رغم أننا صادقنا قبل أيام علي تجريمه بنص اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية وابروتوكلها المقدم من قبل حكومات المنطقة، وقبله أقرت الحكومة والبرلمانات السابقة ترسانة من القوانين المجرمة له مهما كانت التهمة الموجهة للمعتقل أو السجين، فكرامة الناس مصانة والعدل أساس الملك.
إن تولي الرجال حراسة سجون النساء – رغم دخول المرأة عالم الجيش والدرك والشرطة- أمر مزعج، ومثار قلق لدي كل من زار أو تابع أخبار سجن النساء الوحيد داخل العاصمة،وأمر يجب أن يعاد فيه النظر لما له من أضرار على نزلائه وتعريض بسمعة وحدات عسكرية يجب أن تظل فوق الشبهات.
إن احتجاز الأطفال في ظروف غير ملائمة مع ضعف المراقبة والرعاية، والزج ببالغين مجرمين في بعض الأحيان داخل سجن الأطفال حوله إلي محطة تكوين واعداد لعتاة المجرمين بدل إصلاح الجانحين واعادة دمجهم في المجتمع.
وفي الأخير أذكر بسجون الداخل، فأوضاعها قطعا أسوء، وطعام أهلها أقل، واحترام السجن للمواصفات المتعارف عليها عليها أبعد، وهنا أذكر بفقرة صغيرة من تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الموجود علي مكتب الرئيس حاليا والذي جاء فيه :
*******
شكرا السيد الوزير
شكرا السادة النواب
لسنا هنا من أجل الدخول في جدل حول السجون الموريتانية وظروفها السيئة، لأن الواقع معلوم من طرف الجميع، أقرت الحكومة بذلك أم كابرت.
فقط أريد أن أذكر الوزير ببعض القضايا بشكل سريع:
(1) في يناير 2013 عاشت ولاية لبراكنه حدثا بالغ الخطورة وهو دخول أكثر من 240 سجين في عصيان عام واحراق أجنحة من السجن المركزي بعد رفض إدارة السجون تلبية مطالبهم والتي أهمها تحسين الظروف المعيشية وتوفير طبيب للسجن، مما أضطر الداخلية إلي الدخول في عملية تفاوض استمرت يومين من أجل حل الأزمة وإعادة الهدوء للسجن.
(2) في دجمبر 2013 دخل سجناء التيار السلفي في إضراب شامل عن الطعام من أجل إنقاذ السجين السنغالي بشير سيدي بي الذي تدهورت صحته جراء إضرابه عن الطعام لأن قطاعكم الموقر رفض الإفراج عنه رغم انتهاء محكوميته، وقبله دخل محمد ولد السمان في إضراب مشابه للإفراج عنه بعد أن انتهت محكوميته.. فهل هذه ملامح دولة العدل والقانون؟.
(3) في الخامس عشر من مارس 2014 وقعت فاجعة السجن المركزي بأزويرات بعد أن التهمت النيران أجساد 11 من السجناء، بعضهم قضي والآخر ينتظر.. فهل يمكن القول أنهم كانوا في مؤسسة تستجيب لأبسط المعايير المطلوبة في السجون؟
أما التعذيب فيكفي دليلا عليه ما ذكرته منظمة العفو الدولية بعد اجراء مقابلة مع ستين معتقلا أكدوا بشكل جماعي تعرضهم للتعذيب، وأعتقد أن أحكام المحكمة الجنائية ضد بعض العسكريين بتهمة ممارسة التعذيب أهم اقرار به، وأكبر شاهد علي أنه مورس من قبل الأجهزة الأمنية وداخل السجون للأسف التابعة لقطاعكم وفي هذا العهد الذي تدافعون عنه..