لا يحتاج الإنسان إلي الكثير من القدرات الذهنية الخارقة ولا إلي ترسانة من أجهزة فك الرموز ووسائل كشف الماورائيات النفسية للبشر لكي يدرك سر التزامن المثير للدهشة، والتسابق المحموم الذي ظهر به علينا مؤخرا صاحب "التطفيف الحانوني" ورئيس جهاز الاستخبارات الطائعية الشهير، في هجمة شرسة، مسعورة، ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الخارج لتوه من استحقاق انتخابي نال فيه تزكية وانخراط أزيد من ثمانية أعشار الموريتانيين في الداخل وفي الخارج، وبنسبة مشاركة قياسية ومستوى غير مسبوق من الشفافية والنزاهة، شهد به القاصي والداني، بإجماع قل نظيره في تاريخ الانتخابات في البلد، بل وفي غالبية بلدان العالم..
خرج الدكتور بمسار حانوتي جديد ـ قديم، وبضاعة بائرة يكيل الهجاء والسباب تطفيفا وتبخيسا، محتقرا ـ كعادته ـ الذاكرة الجمعية للموريتانيين بمن فيهم أطفاله الذين لم يبلغوا سن التمدرس بعد.. غير أن الفوز الساحق للرئيس ولد عبد العزيز في رئاسيات 21 يونيو الماضي، لم يكن الدافع الوحيد وراء الهستيريا الحانوتية للدكتور الشيخ ولد حرمة، ولا المحرك الأوحد لقائد مسيرة "البطاقة البيضاء" المشؤومة، الرئيس اعل ولد محمد فال...
لا يخفى على من جعل الله له عينين ولسانا وشفتين، وهداه النجدين، كيف تفجرت حمم السخط وقذائف الغضب عبر المداد الحانوتي لولد حرمة، وأطروحة رائد الانتقال السلس من سادن لنظام القمع والاستبداد وتزوير إرادة الناخبين إلى مُنظر للديمقراطية والشفافية، تتفتق عبقريته عن أول نظرية فلسفية في علوم السياسة المعاصرة، تقوم على "شرعية الحياد"! فتجعل المجلس العسكري بديلا "ديمقراطيا" عن البرلمان والأحزاب (موالاة ومعارضة)..
لقد كان منع الكيان الصهيوني من التسلل داخل أروقة الاتحاد الإفريقي وخروج وفده يجر أذيال الخيبة والذل من قمة الاتحاد الأخيرة في مالابو؛ عاصمة غينيا الاستوائية، في حقيقة الأمر، القشة التي قصمت ظهر بعير الرئيس ولد محمد فال، والقطرة التي أفاضت كأس الدكتور ولد حرمة.. لقد شكل وقوف الرئيس ولد عبد العزيز بالمرصاد في وجه الكيان الصهيوني في عمق القارة السمراء، بعد أن أخرجه صاغرا ذليلا من أرض شنقيط جرما عظيما وإفكا لا يغتفر في شرعة الدكتور وملة العقيد..
لم يكد الوفد الإسرائيلي ينقلب على عقبيه صاغرا ذليلا من مالابو، حتى صدر بيان الرئيس اعل ولد محمد فال يصب جام غضبه على الرئيس ولد عبد العزيز ويعتبره رأس خراب ودمار على البلاد والعباد.. وطفق يدعو لإنهاء حكمه بأية وسيلة أو طريقة.. لقد كان واضحا أن ولد عبد العزيز سدد، بملاحقته الكيان الصهيوني في أدغال القارة السمراء، ضربة موجعة لحلفاء ذلك الكيان ورواد التطبيع معه في هذا البلد، فلم يتأخروا في الرد!..
وكان رئيس مخابرات نظام التطبيع في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع في الطليعة كعادته..
لم يكن زعيم ديمقراطية "البطاقات البيضاء" الوحيد في "نصرة" التطبيع، والانتصار للدولة العبرية بعد تمريغ "كبريائها"؛ بل كان هناك من تقاسم معه آلام تلك الضربة السديدة، والانتصار لكيان قائم على الاستيطان والتجسس، نجح رئيس موريتانيا في إبعاده منها، ثم نجح وهو رئيس للاتحاد الإفريقي في إبعاده عن القارة..
جاء التحامل الحانوتي الجديد سيلا من الشتائم التي لم يصدر عن ولد حرمة مثلها إلا بحق المعارضة أيام كان وزيرا للصحة..
حيث حل الفساد والمحسوبية في كافة مفاصل ذلك القطاع الحيوي، وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات في صفوف الأطباء والممرضين والمرضى على حد سواء..
وحين تحولت الأمراض العادية إلى أوبئة فتاكة تحصد الأرواح بالعشرات وربما بالمئات، نظرا لغياب الرعاية الصحية وانهيار النظام الطبي وتحكم الغش والتزوير في الأجهزة والأدوية.
إن كل ما يثير حفيظة الرئيس اعل ولد محمد فال والوزير الدكتور الشيخ ولد حرمة تجاه الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو أنه حقق للموريتانيين كل ما كانوا يطمحون إليه..
فحرر البلاد من دنس الصهاينة وقضى على مواطن الفساد ونهب خيرات الأمة، ومكن للمواطن الموريتاني في وطنه ومنحه الكرامة والعزة؛ وأرسى أسس الحرية والكرامة والمساواة للجميع..
ووزع خيرات البلد على شعبه، وحول موريتانيا إلى قوة عسكرية إقليمية يحسب لها حسابها، ولا يجرؤ أي متهور على الاقتراب منها بسوء، وأبهر قادة العالم بقدراته الدبلوماسية الناجحة في مجالات تحقيق السلم ونزع فتيل الصراعات في القارة الإفريقية، عموما وفي المحيط الإقليمي المباشر على وجه الخصوص.
الدكتور سيدى احمد ولد الشرقي