أنجامينا أحدث ضحاياه : الموت القادم من ليبيا .. إلى الخلف در !

 

لم يتوقع أكثر المتشائين داخل أنجامينا أو خارجها أن تكون نهاية المشير أدريس دبى بهذا الشكل المخيف والسريع، وعلى يد قوات كانت توصف بانها مرتزقة تم تجميعها لتغيير المعادلة فى الصراع الدائر بين الأشقاء الليبيين، خلال الحرب الأخيرة.


 

بيد أن المتابع لحجم التمويل والتسليح والتحشيد فى الأراضى الليبية قبل محاولة المشير حفتر دخول العاصمة طرابلس، يدرك حجم المخاطر التى تنتظر أكثر من دولة فى محيط ليبيا، بعدما حولتها خلافات الساسة وتداخل المحاور إلى برميل قابل للإشتعال فى كل الإتجاهات.

 

قبل سنة من الآن بالضبط (21 ابريل 2020)  اعلنت حكومة الوفاق الليبية عن مقتل الرئيس المؤسس لحزب العمل التشادى قربان جدى فى محور الوشكة على يد قوات الوفاق، بعد أسابيع قليلة من تحذير طرابلس من ضخ آلاف المسلحين التشاديين كمرتزقة فى الصراع الدائر بين الأشقاء فى الشرق والغرب.

 

القيادى التشادى المعارض لحكومة أدريس دبى، كان أشرف بنفسه على اتفاقية جلب المقاتلين التشاديين الى ليبيا، دعما لقوات المشير حفتر، وبتمويل سخى من احدى الدول الخليجية المستثمرة فى الصراع الدائر منذ سنين.

 

لقد كان اغتيال المعارص المذكور مجرد إعلان رسمى لحجم الوجود الأجنبى فى ليبيا، وخصوصا من المقاتلين التشاديين الذين كانوا الركيزة الأساسية للهجوم الكاسح الذى تعرضت له طرابلس بتمويل ودعم إعلامى من دول الثورة لحسم الخلاف الدائر منذ 2011.

 

غير أن حجم وجهة المقاتلين التشاديين تحولت بالكامل، بعد التدخل التركى العسكرى المباشر إلى جانب قوات الوفاق، وتكبد القوات الموالية لحفتر لخسائر كبيرة فى الأرواح، وخروجها من العاصمة طرابلس بالكامل فى الرابع من يونيو 2020، وهو ما أربك المنظومة العسكرية الداعمة للمشير، وترك المليشيات المقاتلة معها فى وضعية انتظار لما قد تؤول إليه الأوضاع السياسية والعسكرية، خصوصا بعد وقف إطلاق النار فى أكتوبر 2020.

 

لقد دخل فرقاء الأزمة السياسية فى ليبيا فى مسار جديد، تاركين مصير الآلاف من المسلحين الأجانب دون حسم، حيث ظلت القوات الحليفة لحفتير فى مواقعها بالجنوب والوسط، لتحسين وضعه التفاوضى، وتأمين حقول النفط قبل أن يتم حسم مصيرها من قبل المجتمع الدولى، ومنع قوات الحكومة الليبية من التقدم باتجاه الشرق، بعد الدعم العسكرى والمعنوى الذى تلقته من تركيا وقطر خلال شهور الصراع الأخيرة، والذى كان حاسما فى كسر شوكة الحملة العسكرية الرامية إلى السيطرة على طرابلس وأخواتها فى الغرب، ضمن مشروع رعته دول الثورة المضادة وأنفقت عليه الكثير.

 

 

 

تحول فى التفكير وتغيير فى الأجندة

 

الهدوء الذى عاشته جبهات القتال فى ليبيا، واستمرار الأزمة السياسية داخل أنجامينا بعد اعتقال أبرز المرشحين للإنتخابات الرئاسية (الوزير السابق يحي أديالو) ، وقتل بعض المعارضين للرئيس ، وغياب أي سيطرة دولية على الفضاء الممتد من جنوب ليبيا إلى العمق التشادى، أمور أغرت الحركات المسلحة المعارضة لحكم أدريس دبى بالتحرك الميدانى للإطاحة به، ودفعتها إلى القيام بمحاولة جديدة لقلب نظام الحكم فى أنجامينا ، أو التخلص من رأس الأفصى كما يسمونه، بعد ثلاثين سنة من الحكم بالحديد والنار، والتحالف مع الفرنسيين لتمرير أجندته تجاه معارضيه فى الداخل.

 

معطيات دفعت جبهة التناوب والوفاق التشادية إلى حشد قواتها بمنطقة " تيبستى"، وهي قوات ناهزت أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل ، مزودة بأكثر من 450 سيارة حديثة، وأسلحة ثقيلة ومضادات للطيران تستخدم لأول مرة فى المعارك الداخلية بأتشاد، وقد كانت حاسمة فى أيام الحرب الأولى بين النظام ومناوئيه.

 

ومع بداية العام الجديد ، كانت الأصوات المعارضة لترشيح الرئيس الراحل ادريس دبى لمأمورية جديدة قد بدأت بالفعل، وكان الشباب المعارض قد حدد السادس من فبراير 2021 كموعد للثورة ضد ما أسماه الديكتاتور الحاكم باسم فرنسا، وهو حراك قوبل بقمع شديد، رغم تبنيه من قبل العديد من قوى المعارضة فى الداخل والخارج، ليتوج الحراك باعلان "تنسيقية المعارضة التشادية " بقيادة محمد أبوبكر موسى فى الرابع والعشرين من أكتوبر 2021، مع رفع شعار التغيير بالقوة ، بعدما أصر الرئيس على تهيئة المسرح ليكون اللاعب الوحيد فيه، ملقيا بالوزير المعارض يحي دلو فى غياهب السجن، بعد مقتل أمه العجوز على يد نخبة القوات المسلحة (الحرس الرئاسى) فى مشهد كان يراد منه ترويع المعارضين للرئيس.

 

جبهة الوفاق والخيار الأخير

 

تطورات المشهد الداخلى دفعت بالمهاجر التشادى السابق، وأمير الحرب الجديد محمد مهدى إلى الإعلان عن العودة إلى التشاد، بعد 25 سنة من المنفى، لكن هذه المرة  يقود بنفسه جحافل المعارضين الناقمين على الأوضاع الداخلية والمسلحين بترسانة من الأسلحة الحديثة ، معلنا تشكيل جبهة عسكرية، هدفها الأول " السيطرة على أنجامينا وقتل الرئيس" ، بعدما فشلت كل الحلول السياسية كما يقول.

 

تمكن القائد العسكرى محمد مهدى على من تجميع القوات التشادية بالجفرة الليبية، بعد أن ظل حلم العودة إلى أنجامينا يراوده، رافضا التقدم للجنسية الفرنسية ، رغم مقامه فى باريس لأكثر من عقدين.

 

قائد التمرد الجديد خبر السلاح وهو فى سن مبكرة ( 14 سنة) ، قبل أن يترك الأراضى الصحراوية فى رحلة تشريد عانت منها مجمل القوى الحية الرافضة لحكم المشير أدريس دبي، إنه عانى كأقرانه من قومية "الغوران" التى ينحدر منها الرئيس السابق " حسين حبرى" ، لكنه أستقر به المقام فى الأراضى الليبية منذ سنوات، لقد بات أحد أبرز رواد الفنادق بالمدن الليبية.

 

ارتبط المتمرد الجديد بعلاقات وطيدة مع الزعيم التاريخى للثورة التشادية " محمد نورى"، لكنه غير أفكاره بعد الربيع العربى، لقد أعلن أكثر من مرة أن الشباب اليوم هو وقود التغيير، ولم يعد بالإمكان التحكم فيه أو ترويضه من قبل بعض السياسيين العاجزين.

 

لقد تحركت الأمور أكثر مما توقعه الساسة، جبهة الوفاق من أجل التغيير تعلن عن بداية المعركة، وتأمر قواتها بالخروج من الأراضى الليبية باتجاه أنجامينا.

 

القوات التى تمركزت فى بعض مناطق الجنوب الليبي ك "مرزق" و"أم الأرانب" و"ربيانه" والتى ظلت تستهدف محاور محددة فى الغرب الليبي والجنوب (الكفرة ، سبها) قررت تغيير وجهتها إلى أنجامينا، يحدوها الأمل فى حسم المعركة التاريخية للقوى المعارضة مع الرئيس أدريس دبى، وتغريها القوة الهائلة التى تحصلت عليها جراء انخراطها فى مشروع تغيير الحكم فى العاصمة طرابلس خلال السنوات الأخيرة.

 

يوم الجمعة تعلن الجبهة عن اغلاق المجال الجوى فوق " تبستي" وتؤكد أنها ماضية فى فرض التغيير.

 

لقد كانت هذه المرة أكثر جدية، ثلاث طائرات سقطت فوق أراضى المعركة بفعل قوة المضادات الأرضية التى يمتلكها الثوار الجدد، بعدما كان الطيران يحسم المعركة فى ساعات للقوات النظامية، وتارة يستعين بالفرنسيين.

 

تتألف الجبهة من أربع حركات : "القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" و"جبهة الأمة من أجل الديمقراطيو والعدالة بتشاد"، و " اتحاد حركات الديمقراطية والتقدم"، و" الاتحاد الوطنى من أجل التغيير ".

 

القوات الحكومية تعاملت مع الأمر بما يقتضيه من صرامة، خصوصا بعد المواقف الدولية المتحفظة، ورفض باريس الزج بقواتها إلى جانب القوات الحكومة فى القتال.

 

لقد أعلنت فرنسا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية سحب رعاياهم من أنجامينا، وحذروا من خطورة الأوضاع، بيد أن الحكومة ردت بطمأنة الرأي العام، وقالت إنها رصدت ارهابيين بمنطقة حدودية، وقد تعاملت مع الموضوع بما يقتضيه من اجراءات عسكرية سريعة لتدمير المتمردين ودحر الحراك الجديد.

 

غير أن المعطيات الميدانية كامنت فى صالح الثوار، لقد خسر أدريس دبى نفسه فى معارك الشمال، وفيها خسر أبرز رموز المؤسسة العسكرية الذين وفروا له الحماية  وقادوا مجمل المعارك التى خاضها ضد معارضيه.

 

التقارير الواردة من أنجامينا عن وجود كتائب تابعة لقوات الوفاق ، تضم 480 سيارة من نوع لاندكريزير محملة بالأسلحة الثقيلة، وقد توزعت إلى أربعة أجنحة لدى دخولها منطقة أندي التشادية، وسط اتهام أطراف ليبية بتغذية الصراع الدائر على الحكم حاليا بأنجامينا. 

 

وتقول التقارير الإعلامية الأولية إن القوات النظامية خسرت العديد من ضباطها خلال مواجهات الأمس بينهم الجينرال آدم هنو،  وهو ضابط بارز من الحرس الرئاسى، كما أصيب مدير المخابرات العسكرية طاهر أيريدا. 

 

كما أصيب جنرال آخر هو الجينرال بحر محمد إتنو، وتتردد أخبار مشابهة عن إصابة الجينرال يسكو يوسف بوي، وهما من قوات النخبة فى الجيش التشادي.

 

 

سيد احمد ولد باب / كاتب موريتانى