قبل شهرين أو ثلاثة عاشت العاصمة نواكشوط وبعض مدن الداخل حالة من الرعب غير المسبوق، وتبارى الجميع فى نشر قصص الطعن والسلب والنشل واقتحام المتاجر والمنازل، وحدثت بالفعل حالات قتل واغتصاب وروعت أسر فى أطراف العاصمة خلال موجة من الجرائم لم تكشف أسبابها أو الجهة التى كانت تقف خلفها أو المستفيد منها، رغم أن المتضرر واضح، وهو الشعب المستهدف من قبل عصابات الجريمة بالدرجة الأولى، والنظام المتهم بالتقصير والعجز عن تأمين البلد والتفريط فى أمن وسلامة مواطنيه.
فجأة أطل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى بعد موجة انتقاد حادة مع عدد من رفاق السلاح، وظهر فى بعض شوارع العاصمة وهو يتفقد الدوريات الأمنية، ويستمع لخطط كبار القادة، ويوجه معاونيه إلى تدابير جديدة، ويستعرض نقاط الضعف ومظاهر التقصير، مؤكدا حتمية وضع خطة فاعلة لمواجهة الأوضاع الأمنية غير المريحة لسكان العاصمة وزوارها على حد سواء.
تباينت ردود الفعل بين مرتاح للخطوة وفرح بالتحرك، وبين ساخر حد التشفى، وتندر البعض على أحذية وزير الداخلية، وسخر البعض من حرص المدير العام للأمن على أناقته ليلا وهو يواجه معضلة أمنية بالغة التعقيد، وأستغرب البعض نزول الرئيس للشارع من أجل تفقد نقاط التفتيش وهو فى لباس الراحة (دراعة وأحذية أنيقية)، وروج الآخرون لنظرية غاية فى الغرابة مفادها تعرض الرئيس للاختطاف من قبل قادة المؤسسة العسكرية والأمنية وبعض الوزراء وتسيير تحركاته دون وعي منه ، أو وجود هدف مدروس للرئيس ومعاونيه، وبالغ البعض فى السخرية حد المس من مكانة الرئيس والمنصب الذى أختير لتوليه.
بعد أسابيع قليلة أختفت مفردات النشل والطعن والاغتصاب والسطو من قاموس أهل الفيسبوك ، وتوقف حركة الصور ومقاطع الفيديو عبر الوسائط الأخرى، وعم الهدوء مجمل شوارع العاصمة دون استقالة مدير الأمن، أو إقالة وزير الداخلية أو تكليف الجيش بضبط الأمن فى المدن أو تغيير هندام الرئيس أو إلزام القادة العسكريين بمفضول من اللباس ليلا، أو إقناع الوزير بتغيير الحذاء الذى يرتاح له ويطمئن إليه.
اليوم عشنا ونعيش حملة إعلامية مشابهة، يغذيها الإرتفاع الجنونى للأسعار، وتنعش سوقها الخلافات القائمة حول التشاور أو الحوار، ويحتكم أصحابها للفيس من أجل حسم الصراع بين الحاكم وبعض المحكومين، وسط حراك معاكس تقوده الحكومة، بعد توجيه من الرئيس وتدخل مباشر لوضع الحلول الناجعة لضبط الأسعار وتثبيتها، وتعزيز قدرة الفقراء على الصمود، بعد أن هزت جائحة كورونا أسواق المال والأعمال وأشعلت لهيب الأسعار.
لقد أنقسم الجمهور بين فرح بخطط الحكومة وساخر من مساعيها الرامية إلى إقناع المواطن بجهد استثنائى لصالحه، بينما ترتفع الأسعار ويتصدر التجار واجهة الحراك الجديد.
وبغض النظر عن أحقية الفرح بدور الحكومة وحركتها السريعة لضبط الأسعار، أو مشروعية القلق من ضعف قيمة الإجراءات الحالية والخوف من عجز الحكومة والتجار عن تطبيقها، يظل دعاة التعامل باحترام مع أي جهد رسمى معلن أصحاب حق وحكمة، ويظل الإنتظار لمعرفة النتائج المحتملة للخطة على الأسعار أمرا مطلوبا فى ظل تجارب أخرى أظهر فيها الرئيس قدرته على تسيير الملفات الشائكة بهدوء يعتبره المتسرع فى الكثير من الأحيان أحد مظاهر الضعف أو الإرتباك الذى لازم حركة الحكام الجدد للبلاد كما يقول المتسرعون.
(*) سيد أحمد ولد باب/ مدير زهرة شنقيط