حينما بلغت القلوب الحناجر، وتم قتل الديمقراطية بشوارع العاصمة سنة 2009، وغيب الرئيس المنتخب سيدى ولد الشيخ عبد الله عليه رحمة الله، وطرد مجمل المتشبثين بالشرعية من مقاعد الحكومة ، وخلت مكاتب الرئاسة من خيرة المستشارين ، وفرغت الوزارة الأولى من أهم أهل الإختصاص الفاعلين فيها، وسجن الوزير الأول وأتهم بالاختلاس، وأغلقت مقرات الأحزاب السياسية، وضرب خيرة أبناء البلد فى الشارع من قبل أعوان الداخلية، وشرد الأحرار فى كل مكان ، وشوهت القبائل لشبهة وقوف بعض أبنائها فى صف الطيف المعارض، وأستهدف الأطر على أساس الجهة والقبيلة والانتماء الحزبى، حمل دعاة التنظير الإستراتيجي ماتيسر من ثياب، وأمموا عاصمة الجار القريب (دكار) ينشدون إنقاذ النظام العسكرى من حصاره الخارجى، ويرسمون ملامح أقصر تحالف فى تاريخ الصراعات السياسية ، بين الجلاد هذه المرة والضحية، تاركين الشعب للمجهول، ومكتفين بما رسمته أيدى المناضلين وحناجر الأحرار طيلة شهور الرفض، ليجنوا مقاعد محدودة بالحكومة، ونصف لجنة مشلولة يديرها ضابط من مكتبه، وقد كشف عن ذراعيه، وقال بكل وضوح القرار ما أقرر وزمن التشاور والتفاوض مع النخبة البالية ولى عهده، وليس لكم سوى الإلتحاق بالركب أو شرب مياه البحر!.
لم ينتظروا قائد مسيرة التشبث بالشرعية (سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله عليه رحمه الله) بل جعلوا مجرد الإفراج عنه عنوانا لانتصارهم الزائف، واستقالته القسرية أمام وسائل الإعلام سلمهم للوصول إلى تقاسم الكعكة مع ضباط الجيش والأمن ، ولو أن الفترة الزمنية لذلك الحلم الجميل مجرد شهرين فقط !..
أحذوا الإعلام دون وصاية على مؤسساته، والداخلية دون أخذ رئيس مركز إدارى واحد، أو ملحق بديوان الوزير، والمالية دون السماح لهم بتعيين كاتب للوزير أو بواب، أو ترقية مفتش أو تحويل أو تعيين آخر، وتظاهروا بقيادة الدفاع دون القدرة على زيارة الوحدات العسكرية دون ترتيب مع الخصم الحليف، أو إمكانية إزعاج ضابط اتصال واحد باتصال واحد طيلة مسارهم القصير فى الحكم، وحوصرت أبرز تشكيلاتهم السياسية فى مستنقع "الشؤون الإسلامية" وتسيير القطاع لشهرين تقديرا لما قدموا من تضحية من أجل تشريع الحكم العسكرى والتمكين لصاحبه، ليزاح الوزير من منصبه فور الانتفاء للحاجة إليه، وتلغى كل قراراته بمقرر من خليفته قبل مرور يومين على استعادة المنصب منه.
لقد كانت الحصيلة صفر، و"المكسب الإستراتيجي" من حوار دكار هو مايتحدثون عنه اليوم بكل وضوح دون أن يشعروا ولو دقيقة بجزء من المسؤولية عنه (عشر سنين من التغييب الممنهج للطيف المعارض، والاستهداف والتضييق على الحريات، وإقصاء رموز النخبة السياسية، والتمكين لبعض الأوجه العاجزة عن التسيير والمتهم من الجميع بالعجز والفساد وسوء التسيير).
لقد وفق الرئيس السابق فى استغلالهم للتمكين لنفسه وحكمه وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا، وكانوا طعمه للشعب والمنظومة الدولية من أجل ابتلاع أجندته ومنحه الفرصة اللازمة لتسيير أموره كقائد منتخب، بعدما كان بنظره الجميع مجرد ضابط منقلب.
اليوم وقد فتحت نافذة للأمل والتشاور بين القوى السياسية دون اقصاء أو تمييز ، والحوار بين الفرقاء دون إكراه أو ابتزاز أو ضغط أو استهداف، يحاول البعض الآن التذاكى على الناس وتقمص دور القائد المتحمل لكامل مسؤولياته عما يعيشه الشعب وينتظره، ويقديم نفسه كحكيم لايخدع، ومناضل ينظر للتحولات الكبرى، وزعيم يخطط لأكثر من شهرين !!
إنه الشعور بالضياع والإحساس بالضعف الذى يدفع صاحبه للانتحار، والعجز عن مواجهة استحقاقات المرحلة، وترك الأمور للزمن من أجل تسييرها، وحجز الأنصار فى الحظيرة فى اننظار ما سيؤول إليه الإعصار...
لنفترض أن البلاد فى أسوء أيامها، وأن السجون ملأى بالأحرار المطالبين بحكم الشعب وتكريس الديمقراطية، وأن الصحف مصادرة والقنوات مغلقة والأحزاب محاصرة والجمعيات مستهدفة وقادة العمل بين طريد أو سجين، فما هو الحل إذن؟ ومن يستحق منا أن نفوضه لنفاش أمورنا والحسم فى مصير البلد الذى آمنا به؟ وماهي المصلحة من تغييب آراء من أختارونا للقيادة؟ وهل يليق بنا أن نظل مع كل حوار أو تشاور خارج الصورة نراقب ونتابع ونستمع ويقرر دوننا وننساق فى النهاية لتنفيذ المخرجات ونحن صاغرون؟..
إن اللحظة تتطلب المزيد من الشجاعة وخوض غمار التجربة الحالية والمشاركة دون ضعف أو عقدة وتصدر المشهد لانتزاع مكاسب جديدة، ولاضير أن نواجه الشعب بعد الحوار بقييمنا للتجربة وسرد المكتسبات وابراز نقاط الخلل والنقصير ...
والله أعلم
مدير زهرة شنقيط