يستغل بعض الكتاب والمدونبن النتائج غير الإيجابية للمنتخب الوطنى (المرابطون) خلال الأسابيع الأخيرة، لتشويه صورة الواقع الكروى بموريتانبا ، ومحاولة اختزال مشروع كروى شامل، فى نتائج عابرة، لاتعكس إطلاقا حجم الجهد المبذول، ولا التخطيط الجيد، ولا حسن الحكامة بشهادة كل المنصفين، إنها ضريبة الوعي المفاجئ بأن لدينا منتخبا يقارع الكبار، ويشارك فى كل البطولات، ولدينا نخبة من المحترفين، جلهم خارج من أزقة العاصمة وأخواتها، بعدما كان أصحاب العقول المستريحة يتعايشون مع عصر لامنتخب فيه ولادورى ولاحكام ولاملاعب ولا إدارة ولاحضور ، ولامشاركة قارية أو عالمية واحدة يمكن الركون إليها. (قبل عشر سنين فقط) .
لقد تصالحت الجماهير مع الملاعب وبالآلاف، وبكت فرحا يوم عبرنا للشان والكان بعد عقود من التيه والخذلان، وأعيد الإعتبار للاعب الموريتانى ، فتوافد وكلاء اللاعبين من مجمل الدول العربية ينشدون خدماته، وباتت دوريات تونس والمغرب، والسعودية، وليبيا، والعراق، وعمان، والكويت، وجه أبناء "أبيكه" و" الدار البيضاء" و"دار النعيم".
وأعيد تفعيل الإدارة وتطويرها، ومن شاهد حسن التحكيم الموريتانى بمونديال الأفارقة، يمكن أن يدرك قيمة التكوين المستمر والفرز على أساس الكفاءة، والفرص التى أتيحت للحكام والمراقبين والإداريين، بعدما كان "يقضى الأمر حبن تغيب تيم ولايستأذنون وهم شهود".
أما حشد التمويل والإقناع بالمشاريع فقد باتت تلك الخصلة فى عيون البعض مسبة، وكأنهم كانوا يريدون تغيير الواقع بالأحلام، أو العجز عن تنفيذ الخطط لغياب التمويل اللازم، يحدوا محركيهم حصول عجز أو تعثر قد يفتح الباب أمام وصول أي فاشل لمنصب أعيد له الإعتبار ، وقعد ببعض الحالمين به ضعف التفكير وسوء العمل وأسلوب الإداره والعجز عن الإقناع أو التأثير.
إن الحفاظ على سمعة الوطن أمر مطلوب، والتضحية من أجل مصالحه أمر واجب، لكن ماذا قام به هؤلاء من أجل الوطن وسمعته ومصلحته؟ وأين كانوا؟ وهل تشفع لهم سجلات التاريخ؟.
لقد عايشت أحمد ولد يحي فى مواقف كثيرة، وكان فيها صاحب قرار مستقل، والمصلحة العليا للمشروع الذى كلف به بين عينيه، رفيعا فى تعاطيه مع الآخرين، وحينما غاصت أقدام بعض رفاقه فى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم فى وحل الفساد كان يتحرك بأنفة كبيرة ، أنفة وقته مصارع آخرين.
ولن أعود للكثير مما أعرف وأعلم من قرارات الرجل ومواقفه الحاسمة لصالح الكرة الموريتانية واستقلالية القرار الذى يميزه ويدفع الضريبة بسببه ، ولكن سأمر -دون استئذان- على بعض النقاط بشكل سريع:
حينما تبين للرجل أن رئيس الإتحاد الافريقى الأسبق عيسى حياتو أستغنى ببعض دول الجوار عن بعض وأن مصالح الكرة الموريتانية معه فى مهب الريح، قرر بشكل علنى دعم المرشح أحمد أحمد، ليكون بذلك أول رئيس اتحاد من الدول العربية وشمال افريقيا عموما يعلن تحديه لعيسى حياتو ويشرع فى فى حشد الدعم للمرشح الذى سانده، وحينما حاول بعض المشفقين على الكرة الموريتانية تخويفه من تداعيات القرار قال بأن أقصى مايمكن أن يفعله عيسى حياتو والمؤمنين بمشروعه هو إعادتنا للوضع الذى كان فيه (المنع من اللعب فى كل اليطولات) وهو خيار جاهزون له فى سبيل تغيير واقع الكرة الافريقية إذ لاتعايش مع الحرس القديم، ولكن كانت إرادة الله غالبة، وأطيح بالعجوز بشكل مفاجئ، وكانت الأزمة بوابتنا للعبور نحو مراكز صنع القرار داخل الكاف فى اجتماع البحرين المشهور.
وحينما شرع الإتحاد الإفريقي فى تجديد مكتبه التنفيذى أيام أحمد أحمد، قامت احدى الدول الشقيقة بتوقيع سلسلة من الاتفاقات مع عدد من اتحادات القارة، لكن أحمد ولد يحي -تفاديا لأي شبهة- أبلغهم بأن أجندته يستحيل فيه القيام بزيارة فى الوقت الراهن، وأقترح تاريخا يصادف اليوم الثالث بعد إجراء الانتخابات، وهو مافهم دون شك، وتم تجاوز الأمر. تاركا الحج إلى المدينة المذكورة لقادة الاتحادات الإفريقية الأخرى ولم يناقش الأمر بعدها الي اليوم.
وحينما ترشح شقيق جلال ملك الأردن لقيادة الفيفا، وقرر زيارة موريتانيا بتنسيق بين شقيقه والرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ، أختار أحمد ولد يحي يوم وصوله وغادر العاصمة انواكشوط ليعود إليها فى المساء. قائلا إن مصلحة بلده أهم من مجاملات السياسيين، وحينما أنتظره الأمير فى المطار إلى السادسة مع وزيرة الرياضة بالوكالة ساعتها الأمينة بنت أمم عكس المتوقع، زاره وجامله وأبلغه بموقفه المشهور "الشرفه ش أكبار، يغير أحن موريتانيا ش أكبير عندن، ومصلحتها تقتضى دعم أبلاتر وقد أبلغته دعمى الكامل مسبقا لذا لم يعد نقاش دعم غيره مطروحا الآن .. تأخرتم سمو الأمير"..وشكره الأمير على الصراحة والصدق وغادر المطار دون أن يقنع ولد يحي لاهو ولاغيره بالتضحية بمصالح بلده لحسابات آنية.
وحينما حوصرت قطر وكنا على قطيعة تامة معها، وصدر بيان من الدول الستة يطالب بإعادة النظر فى تنظيم كأس العالم -وهي آخر محاولة لإجهاض حلم القطريين- أصدر الرئيس أحمد ولد يحي بيانه الشهير بعد أقل من ساعتين من صدور البيان الأول ، مؤكدا اعتزازه بالعلاقات الموريتانية الخليجية المصرية، ونافيا فى الوقت ذاته أن يكون وقع البيان المذكور. ومطالبا بإبعاد السياسة عن الرياضة.
قبل أشهر قليلة جلس رئيس الفيفا إيفانتينو مع رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى فى القصر، محاولا إقناعه بضرورة الضغط على أحمد ولد يحي للعدول عن الترشح لقيادة الكاف، وأكد للوفد الموريتانى بأنه يدرك أن الرئيس أحمد ولد يحي هو أفضل شخصية كروية فى القارة السمراء، وأكثر أعضاء الفيفا فهما وحماسا وبعدا عن الشبهات، وتضحية من أجل الهدف المقتنع به، لكن الظروف في بعض الأحيان تكون ظالمة، وقد يتم العدول عن خيار هو الأحسن لصالح آخر، لأن ظروفا قاهرة تفرض ذلك، مهنئنا الشعب الموريتانى بمستقبل كبير ينتظر أحد خيرة أبنائه.
كان موقف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى على قدر التحدى، هذا قرار دولة وخيار شعب، لقد قررنا مساندة أحمد ولد يحي فى مساره نحو قيادة الكاف، ممتنون لتصوركم عنه ونؤكد لكم أن لاتنازل عن دعمه. لقد أكتشف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى مبكرا بعض رجاله، وولد يحي من هؤلاء، لقد كان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى عراب إخماد الثورة المفتعلة على الرئيس أحمد ولد يحي أيام كأس رئيس الجمهورية، وكان دعمه- وهو قائد الأركان - حاسما فى اخماد فتنة، حاول بعض الطامحين إشعالها لتغيير واقع يخدم الناس ويمكث فى الأرض، مستغلين ملف اللاعب ياسين ولد الشيخ الولى لظم نادى الكونكورد وانتزاع البطولة منه، وكان وقوف شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية خلف الحراك ساعتها مصدر إزعاج ، لكن الفريق الجالس خلف مكتبه، وهو يستمع لسرد التفاصيل، قد أمسك خيوط اللعبة وأخمد شرارة فتنة عرقية، كان بعض دعاة التصعيد يدفعون إليها لإرباك الرئيس أحمد ولد يحي أو إجباره على التفاوض من أجل تمرير أجندتهم الغريبة.
خضع ولد يحي لحرب إعلامية شرسة بعضها للأسف من القطاع الذى ينتمى إليه، وفى سبيلها تم تجنيد حشد من الناس، جلهم ظهر فى "مؤتمر لمبطيح" الأخير داخل أحد المكاتب الحكومة، ويمكن العودة للمؤتمر والإسهال الذى أصاب بعض المدونين الجاهلين حتى بأنها بطولة (الكامرون 2021).
لكن المحزن حقا ليس التنكر للمنجز على ضخامته، ولا الحرب القذرة على بشاعتها، ولكن استغلال جهل البعض بالكرة لتصفية حسابات سياسية رخيصة، والإمعان فى مغالطة الشعب واستغلال لحظة حزن تجمعنا لقنل الأمل الوحيد فى منظومتنا الرياضية.
لم يتحدث أي مدون لنقص فى الاعداد أو سوء مكان الإقامة، أو وجود لاعب أقصى وكان يجب توجيه الدعوة إليه، أو عجز عن توفير مدرب، أو غياب الطواقم الطبية، أو غياب معسكرات إعدادية، أو غياب رأس المنظومة الكروية عن بعثة المتتخب، أو انشغاله بأموره الشخصية عن المنتخب، أو تضارب فى الأجندة بين مشاغله الكروية وانشغالاته الشخصية، أو جهل بالثقافة الكروية، أو ضعف حضور أو غياب للبنية التحتية، أو التفريط فى صحة اللاعبين أو جود نقل غير آمن أو استغلال الرحلات الدولية!!.
لقد كان أحمد ولد يحي طيلة مشوار التحضير والإعداد حاضرا بقوة فى معسكر المنتخب، وكان فى نفس الظروف التى يقيم فيها منتخب بلاده، ومجمل المكلفين بالمتتخب من لجنة المنتخبات إلى المدرب إلى الطاقم الصحى يدركون أن ظروفا هي الأحسن تم توفيرها، وأن إدارة إحترافية كانت إلى جانبهم فى كل مراحل الإعداد والتحضير.
ولكن كرة القدم فى النهاية فوز وخسارة، وغانا الفائزة بالكأس أربع مرات خرجت من الدور الأول، وبطل افريقيا والعرب (الجزائر) يصارع الآن من أجل العبور للدور الثانى.
أما الذين آلمتهم النتائج - وهي مؤلمة- وطالبوا بدراسة الواقع وتشخيص المشكل، فلهم كامل الحق، واللحظة فعلا تحتاج المراجعة والتدقيق وتحديد نقاط الضعف والمسؤولين عنها واتخاذ التدابير اللازمة من أجل مستقبل كروى يجد فيه كل مواطن ذاته، وترتاح له جماهير الملاعب والشاشات، ويعكس حجم العمل المقام به.