أيقونة المنتخب الأول بموريتانيا في اختبار صعب أمام الكامرون (خاص)

كان مجرد أيقونة صغيرة تتقاذها  ملاعب الرمل في تيارت بنواكشوط الشمالية قبل سنوات قليلة.

 يلعب الفتي اليافع كيف يشاء مع رفاق الحي والدراسة، مستفيدا من دعم مدرب شعبي تألق في مواجهة الكبار ضمن الدوري المحلي، ويغادر إلي مقاعد الدرس كل يوم ، احتراما لنصيحة أمه الحالمة بغد أفضل خارج الملاعب الرملية لنجلها "بسام".

 

لم تكن الرياضة وجهة أقرانه المفضلة في الساحة الموريتانية، لكنها كانت الوسيلة الأمثل لقتل الفراغ أيام العطل، ومحط أنظار الشباب في ليالي تيارت الجميلة، وفرصة للتهرب من رفاق السوء المنغمسين في متاهات الضياع بالضواحي، ووجهة أمثاله من الفقراء البسطاء.

 

مع بداية 2011 حاول الفتي المدلل أن يدخل إلي الدوري الموريتاني الممتاز من أجل المشاركة مع "شلة " من نجوم تيارت في سيمفونية الألم المتواصلة، لكن رئيس الاتحادية ساعتها محمد سالم ولد بوخريص وبعض أعضاء مكتبه التنفيذي، قتلوا الحلم الذي رواده أو حاولوا، وحرموا ناديه من المشاركة في الدوري بعد أن عجز رئيسه ومدربه عن دفع المبلغ المطلوب (حوالي 100 ألف أوقية) كاشتراك سنوي، وكان القرار صدمة كبيرة لرفاق "بسام"، قبل أن تستفيد الكوكبة من مشاكل الأندية الكبيرة، إذ اعلنت نادي "أف سي نواذيبو" بقيادة أحمد ولد يحي الرئيس الحالي للاتحادية الوطنية لكرة القدم رفضه المشاركة في الدوري تعاطفا مع فقراء الأندية، موجها صفعة قوية للقائمين علي الاتحادية الوطنية، وتضاعفت الأزمة بعد أن حذت حذوه فرق الشمال كافة، وعزز موقفهم الجماعي بثلاث أندية من فقراء الأندية الرياضية بنواكشوط.

 

ظل مولاي أحمد الخليل الملقب "بسام" يتدرب مع رفاقه في جنبات الملعب الأولمبي كلما سمح الوقت والجهد، في انتظار حسم ملف النادي مع الاتحادية الوطنية لكرة القدم، وقد كانت الفرحة كبيرة بعد أن تمت تسوية الأمور بشكل ودي، تسوية بموجبها يسمح لأندية "تيارت" بالمشاركة مقابلة الغاء أندية الشمال مقاطعتها للدوري، ودفع المبالغ المالية المطلوبة.

 

كانت جولات الدوري علي تواضعها كافية لكشف مهارات الثنائي الجميل في "تيارت" مولاي أحمد الخليل (بسام) ورفيقه عبد الودود الملقب (أرويكين)، وهو ماسمح للأول بالانتقال إلي نادي "أسنيم"، والثاني بالانتقال إلي نادي "تفرغ زينه" ضمن موسم كان الأسوء في تاريخهما علي الإطلاق.

 

انهي نادي "أسنيم" بشكل مريب مسيرة اللاعب بسام داخل الدوري الموريتاني، وألزمه دكة الاحتياط طيلة الموسم لصغر سنه، وعدم انسجامه مع المدرب، مع قدر من الرفض الداخلي للاعب ضمن مسار يوصف داخليا بأنه مناف للأخلاق الكروية. وتعرض عبد الودود للموقف ذاتها في تفرغ زينه.. لقد كانت رحلة "احتراف" محبطة، وكان صغر السن واللون والقوة البدنية أبرز معرقل لهما،مما دفع ببسام إلي العودة للعاصمة نواكشوط عبر بوابة نادي لكصر، وعاد "أرويكين" إلي ناديه المفضل "زمزم" بعد أن فسخ عقده مع نادي تفرغ زينه.

 

كانت أيامه مع لكصر أحسن أيام الفريق، وأبدع الفتي في الملاعب من خلال قدرته الفائقة علي التسجيل، واعتماد النادي عليه في مشواره نحو لقب الدوري الممتاز والكأس.

مع تأسيس منتخب أول بموريتانيا، دفع ولد يحي باللاعب بسام إلي المنتخب بعد ضغوط قوية علي المدرب "باتريس نيفه"، لكن الأخير رفض السماح له بالمشاركة كأساسي في مجمل المباراة الرسمية والودية التي خاضها، وظلت ألسنة مساعديه تسلقه صباح مساء، علي أنه اختيار غلط، ودليل سوء تخطيط من قبل الجهاز الكروي، بل إن البعض أتهم ولد يحي بفرضه لأمور أخري لاعلاقة لها بالكرة، كما تقول مواقع فرنسية قريبة من المدرب المقال ومساعديه.

 

في مواجهة السينغال كان بسام يستعد للدخول للملعب، لكن طرد أحد لاعبي خط الوسط، وانكسار المنتخب أمام نظيره السنغالي، دفع بالمدرب الجبان إلي ترك الهجوم وتعزيز خط الوسط والدفاع ، وذرف بسام الدموع أمام الجمهور بعد أن انتهت المباراة بفوز غير مستحق للجارة الجنوبية، وسط حالة من الصدمة بين الجمهور والقائمين علي الكرة، وهم يرون حلم التأهل يقترب من الضياع بشكل غير متوقع..

 

 

امتص المهاجم الشاب مولاي أحمد خليل الملقب"بسام" الصدمة، وعاد للمعسكر، وظل الأمل يراوده باللعب أساسيا أمام السينغال، لكن المدرب رفض كل الضغوط، ولما اختلطت أوراقه، دفع بالأيقونة المجهول محليا إلي الملعب، ليجرب حظه أو يتحمل مع الآخرين سوء النتيجة.

 

سقط "بسام" لحظة دخوله فانهالت عليه صيحات الجمهور المستهجن، ورأي آخرون أنه الغلطة الأكبر التي يرتكبها "باتريس نيفه" وصدع بعض أبواق السوء بعبارات عنصرية في الملعب، قبل أن يخرس الفتي الموهوب أصوات مناوئيه بهدف هو الأجمل في مسيرة المنتخب، والأسهل نسبيا من حيث القدرة في تمريره والتحكم في مسار الكروة، وارباك الخصم اللدود.

 

وبعد دقائق قليلة عاد الفتي ذاته ليمرر الكرة إلي رفيقيه "تقي الله الدن" مسجلين الهدف الثاني، في مشهد اعتبر الأقوى في تاريخ البلد، لقد هتف الآلاف به في مدرجات الملعب الأولمبي، وامتص آخرون مراراة الواقع، وتواري مناوئوه عن الأنظار إلي اليوم.

 

تألق بسام في كأس أمم افريقيا التي حط بها منتخب البلاد علي الأول علي كتفيه، وقد كانت بوابته نحو الاحتراف الدولي، حيث انتزع ثقة الجزائريين، ليوقع عقده الأول في عالم الكرة كمهاجم لنادي "شبيبة القبائل" التي اغتال جمهورها رفيقه، مما أصابه بالصدمة وعجل برحيله من القلعة البيضاء، بحثا عن ملجأ آخر، ضمن حراكه المستمر نحو النجومية.

 

يدرك "بسام" أن مباراة الكامرون لن تكون نزهة، لكنها مباراة العمر كما يقول رفاقه، ويدرك الفتي الذي حاول بعض الأطراف المحلية وضع حد ظالم لمشواره الكروي أن البلاد اليوم تعلق آمالها علي قدميه وذهنه .. فهل يكسب التحدي ويثلج صدور الآلاف من محبيه؟