لمصلحة من يهاجم مدير الديوان؟ / المصطفى ولد محمد اعلي

مع اقتراب كل استحقاق سياسي تصعد الدعايات الموجهة ضد مدير الديوان محمد أحمد ولد محمد الأمين، يصل بعضها أحيانا إلى حد المطالبة بإقالته، ويعتمد بعضها الآخر نشر شائعات عن قرب تلك الإقالة، أو ما يسميه نزع الثقة.

في الأدبيات السياسية يمثل مدير الديوان حائط الصد الأخير أمام الرئيس. ويختار عادة مدير الديوان أو مدير المكتب الخاص، وفقا لمعايير خاصة، وفي كثير من الأحيان ذاتية جدا؛ إذ يتعلق الأمر بشخص يعرف كل التفاصيل الدقيقة عن حياة الرئيس وعلاقاته الخاصة مع مقربيه، وبعض الأحوال عن عائلته.

ليس مدير الديوان إلا وجها لعملة وجهها الآخر هو الرئيس. فهو من ينقل أغلب التوجيهات عن الرئيس، ومن ينقل إليه أغلب المعلومات، ومن يطبخ وإياه أهم القرارات.

وفي الحالة الموريتانية فإن اختيار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لمدير ديوانه الحالي محمد أحمد ولد محمد الأمين، خضع لهذا المنطق بأدق تفاصيله. الرجل الذي لمع اسمه وزيرا لداخلية موريتانيا في واحدة من أدق اللحظات التي مرت (المرحلة الانتقالية والمسلسل الانتخابي (2005-2007)) رجل ذو طبيعة خاصة، يتقن السير على الحواف، ويجيد العمل على أدق التفاصيل، وإدراك المساحات التي يتحرك فيها، بالدقة المطلوبة، وبالسرعة المناسبة لما يريده صاحب القرار.

وحين يقع اختيار رئيس بحصافة وتجربة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على رجل ليكون كاتم أسرار حكمه، وحامل بريده، فنحن نحتاج رجلا بمواصفات خاصة. إنه رجل يمكن أن تترك بيده كل المفاتيح، دون خوف من أن يضع مفتاحا واحدا في القفل الخطأ.

استطاع ولد محمد الأمين يوم كان وزيرا للداخلية أن يضمن لكل صندوق انتخابي قفله الخاص، ويؤمن لكل مجموعة صناديق حارسها المناسب، فخرجت العمليات الانتخابية الأكثر تعقيدا في تاريخ موريتانيا، بأكبر قدر من شهادات التزكية حازته الانتخابات في هذا البلد الذي يعيش دائما على منسوب غير قليل من انعدام الثقة بين نخبه.

إن تأمين قفل لكل صندوق دون أن يضيع مفتاح واحد، وأن تفتح كل تلك الصناديق في الوقت المحدد، وتغلق في الوقت المحدد، لتغلق من جديد، بعد إحصاء كل محتوياتها، وإعطاء كل ذي حق حقه دون ظلم ولا حيف هو ما تحتاجه إدارة البلد حاليا، بين يدي رجل لا يريد أن يظلم عنده أحد. وهو ما يفعله مدير الديوان حاليا، ولا تجد محاولات الفصل بينه وبين الرئيس أي شاهد لتصديقها، أو أي صدى للتفاعل معها.

والذين يحاولون هذا الفصل نوعان من الناس. أولهم المغرضون الذين يريدون أن ينتقدوا النظام وهم يظهرون أنهم في صفه؛ فيوجهون سهام نقدهم إلى مدير الديوان، وبعضهم يعلق عليه فشله في تحقيق برامج، ومشاريع أسند إليه الرئيس تسييرها، وأعطاه لذلك الصلاحيات والإمكانيات. وهذه الفئة تريد تعليق جزء من عدم نجاحها على مشجب فتبحث فلا تجد أنسب من اسم مدير الديوان، لتقدمه على أنه معيق للمشاريع، وهو زعم تنكره الوقائع فلو لم يكن مدير الديوان يريد نجاح الرئيس وبرنامجه بأكثر مما يريده أي مسؤول آخر لما استحق المكان الذي هو فيه.

ومن المغرضين صنف آخر هم أعداء المشروع من أصله، وهؤلاء يغيظهم أن يجدوا مستوى من التماسك في النواة الصلبة للنظام، ويزعجهم ألا يجدوا مدخلا في الدائرة القريبة من الرئيس؛ فيحاولون إلصاق التهم بمن يدركون قربه من الرئيس، وهم في هذه الحالة إنما يحاولون دق إسفين في الدائرة الضيقة لصنع القرار.
ليس مدير الديوان معصوما من الأخطاء، ولا يمكن أن يحيط من هو في مقامه بكل تفاصيل التسيير، أو يتدخل في كل مشكلة.. لكنه من دون شك أحد أهم صمامات الأمان للنظام الحالي في وجه الاختراقات السياسية، وعامل تحصين لمؤسسة الرئاسة دون أن تكون طرفا في صراعات اللوبيات.