نعم قالها الرئيس.. / *المصطفى ولد محمد اعلي

تناوشت بعض الأقلام حديث الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أمام ممثلي الجالية في إسبانيا، جاعلة منه حجة للنيل منه، وتقديم كلامه على أنه اعتراف بالفشل. وهو حديث سجل من غير إذن، ولم يكن الرئيس يوجهه لعموم، وإن كان ترك الحاضرين يدخلون هواتفهم إلى اللقاء بحد ذاته إعلانا عن عدم الممانعة في خروج ما سيقال موثقا بطريقة ما.

في عالم الاتصال تقول القاعدة إن من يقدم روايته أولا يحتكر ثلثي الجمهور، وظن من قدموا التفسير أولا أنهم سيحصلون على هذه المزية، فأطبقوا يحملون الكلام غير ما يحتمل ويخرجونه عن سياقه.

لم يقدم الرئيس يوم كان مرشحا، ولا في خطاباته التي ألقى منذ توليه السلطة، أي وعد بأن يحول البلد إلى بلد غني، ولم يعد بأن يحول الشعب إلى شعب غني. لقد تقدم الرئيس بأوراق ترشحه وهو يدرك من واقع البلد ما لا يدركه غيره، وقدم برنامجا ورؤية وطنية لوضع بلدٍ منهك على السكة وتقديمه خطوة في سبيل استعادة الدولة شيئا من مصداقيتها، وإعادة الإدارة إلى سكة العمل الطبيعية.

تعهد بأن يعلم من لم يعلم بعد من المواطنين بوجود الدولة، وبحقه في بعض ما لديها من مقدرات، وأن يعيد اللحمة بين أبنائها ويطفئ نيران الإحن ويسكت صوت دعوات الثارات، ودعاوى التفرقة والاقتتال.

وقد أنجز ما وعد وزاد ووفى…
قال الرئيس كلمته وهي يعي أنها ستخرج للعلن، إذ لا يوجد عقد للكتمان مع الحاضرين، ولم يختاروا على أساس ولاء سياسي ولا تصنيف من أي نوع.. إلا كونهم منتخبين من أبناء الجالية، أو حاملين لهمومها.

قال لهم الرئيس إنه على وعي بكل المشاكل المطروحة لهم، وتلك المطروحة للوطن، واختار كلماته بعناية فائقة، وهو يخاطب ضميرهم الوطني، ويحثهم على الإنتاج.
وحين وجد أن بعض مشاكل الوطن بحاجة إلى حديث مكاشفة تناول الكلام مبرهنا على أنه ابن هذا الشعب، ورجل من أهله يعرف كبارهم وصغارهم، مهاجرهم ومقيمهم، يعرف شوارعهم وبيوتهم ونواديهم.

قال بصريح المعنى: لم أغلق علي باب مكتب في القصر وأجلس في انتظار التقارير عن العالم الوردي الذي بنيته. لقد ظلت صلتي بفقراء البلد كما هي، أحدق في عيون متسوليهم المستحيية عند ملتقيات الطرق، وأعرف أحلام أمهاتهم في آدوابه وفي القرى النائية.. أدرك طموح طلابهم وشبابهم، وأعي قلق شيوخهم وكبارهم..

لست رئيسا من الذين عهدتم يقولون إن وضعكم أحسن من الدول المجاورة، وإن الدولة أوفت بالتزاماتها تجاهكم، وبأن مجرد وجودي يحول بينكم وبين البلاء الأزرق وطوفان الأزمات.

لست هنا لأزخرف لكم القول وأعود إلى غرفة مكتبي وأقرأ التقارير الوردية عن الإنجازات! أنا هنا لأني اخترت أن أكون مع شعب تطحنه الأزمات، وأن أعايش أوضاع الناس كما هي، لا كما أتمناها أو يتمناها غيري. أنا هنا لأني أصل الليل بالنهار باحثا عن حلول حقيقية وواقعية، قابلة للتطبيق، للمعضلات التي تعانون، وأولها أقنعة المقولات المعلبة؛ شعب فقير وبلد غني، أرض مليئة بالثروات..

نعم قلتها وأقولها: يوجد بعض الثروات وبعض الفرص، وكثير من الأمل وأكثر منه من التصميم والإرادة، يوجد عمل دؤوب من أجل وضع أفضل. يوجد صدق توجه، وإيمان بالقدرة على الوصول، ورؤية واضحة طموحة وواقعية. توجد برامج ويوجد الكثير من الإنجاز الفعلي، ويوجد كثير من العمل طويل المدى لتغيير واقع البلد. هذا مع كم هائل من الصعوبات، يوجد ما يضاهيها من الاستعداد للصبر على تذليلها.

لكلام الرئيس وجه آخر؛ فهو حث على بذل المزيد من الجهد، ونبذ عادات الاتكالية والكسل والتعالي على ممارسة المهن والحرف. هو دعوة لمعرفة الواقع كما وللتعامل معه بمنطق الاعتراف والمواجهة.

أما أسطوانات التفسير التي لم يكن أصحابها ينتظرون قولا ولا فعلا من الرئيس للنيل منه أو التشكيك فيما يريد.. فليست حديدة، ولن تنتظر مناسبة لإطلاق نداءاتها اليائسة.. لكنه لن تفت في عضد ولن تثني عن فعل.