كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة وعشر دقائق، وكان عناصر الدرك قد أخذوا مقاعدهم خلف السيارة المرابطة منذ أشهر بالقرية، بعد يوم حار، أجبرت فيه الرياح جميع القاطنين بالمنطقة على إحكام إغلاق البيوت لساعات طويلة، رغم ارتفاع الضغط داخل المدن، وخطورة الإقامة بالأعرشة محكمة الإغلاق ب " كج أقويره" المستعمل بكثرة فى المناطق الداخلية.
أبلغنا عنصر الدرك الذى كلف بنقطة التفتيش بضرورة التوقف على بعد مترين من النقطة والترجل من السيارة بغية " إجراء تفتيش أمني" !.
سلوك أعتدنا عليه خلال السنوات الأخيرة من بعض عناصر الأمن لعرقلة سير أصحاب السيارات مكتملة الأوراق، إنه استعمال الصلاحيات الممنوحة قانونيا لأجهزة إنفاذ القنون لمنح فرصة تمييز ذهبية لمن اعتادوا مخالفة القانون من أصحاب السيارات المقيمين بالمنطقة أو العاملين فى مجال النقل من دون تأمين أو دفع الضريبة السنوية، أو رخصة سياقة!.
مرت عملية التفتيش بسلام، بعد أن بعثروا كل الأوراق والملفات..
كانت عيوننا كصحفيين مشدودة إلى البناية المجاورة أكثر من السيارة، لفهمنا أولا لطبيعة الهدف من عملية التفتيش (العرقلة المتعمدة)، وللإطمئنان ثانيا لسلامة الموقف من الناحية القانونية والأمنية.
إنها أطلال مدرسة القرية الوحيدة (قرية الدحارة 10كلم من تمبدغه)، وقد حيد الإهمال، وغياب الترميم والمتابعة أحد فصولها وبات القسم المتبقى - رغم هشاشته- هو الملاذ الوحيد لفصلين (سنة أولى، وسنة خامسة).
كانت المدرسة الإبتدائية مغلقة بفعل أجواء عطلة نهاية الأسبوع، وكان التلاميذ يلعبون فى الساحة المجاورة، وقد تحلقوا حولنا بمجرد النزول من السيارة فى أجواء صيفية بامتياز (أريفى والحمان).
س/ ع (١١ سنة) ، هو أحد أبناء المدرسة المكافحين من أجل غد أفضل، رغم قساوة الظروف، وضعف الإهتمام بالتعليم فى المنطقة، حيث لايزال الفتى الحالم بمستقبل أفضل يكابد حصص الدرس بالقسم الأول (سنة أولى ابتدائية) ، دون أن تتاح له فرصة الجلوس على المقاعد لأسبوع واحد بشكل منتظم منذ افتتاح السنة الدراسية الحالية.
أسبوع التلميذ 'س/ع" - كما روى لنا - ثلاثة أيام فقط (الأربعاء/ الخميس/ الجمعة). بينما يحتكر تلاميذ الفصل الخامس بداية الأسبوع (الأحد/ الأثنين / الثلاثاء )، فهم جيل المدرسة المتصدر فى الوقت الراهن.
يتحدث أطفال "الدحارة" بحرارة عن الواقع المزرى الذى يعيشون فيه، والأمل فى اتخاذ الحكومة، أو البلدية، أو الوجهاء، أي إجراء من شأنه تغيير الوضعية الراهنة، ويتبادلون التهانى بمناسبة حضور فريق إعلامي للقرية من أجل نقل معاناة أبنائها.
يقول التلميذ " س/ ع" إن طموحه الآن أن يكون عالما جليلا. ثم يستدرك بلهجة حسانية طليقة " آن بعد أرانى لك مانقر المحظرة كيف التركة لخرين، يغير كاتب حزبين بعد اعل راجل هون"..
النقاش الذى دار مع أطفال المدرسة كان فرصة لأحد رجال القرية أو المقيمين بها على الأصح فى الفترة الأخيرة من أجل طرح بعض المشاكل، وابرز مظاهر الغبن الذى تعانى منه الساكنة. معربا عن خيبة أمله فى مجمل السياسيين الذين يكثرون أوقات التصويت ويختفون خلال المأمورية. ومطالبا الجهات المعنية بإعادة النظر فى واقع التعليم بالدحارة، لأنه البوابة الوحيدة لتغيبر الواقع الذى تعيشه، والكنز الذى حرم منه أطفال القرية بشقيه (التعليم والمحظرى).
#زهرة _شنقيط / مكتب تمبدغه