شكلت الدعوة التى اطلقها النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية محمد غلام ولد الحاج داخل الجمعية الوطنية بعد فضيحة "أعلاف الرئيس" فرصة لأصحاب السقف الواطى من أجل العودة للواجهة ولو بشكل مؤقت، وتكثيف الجهد لانتزاع بعض الفتاة من أيدي بخلاء القصر الممسكين بتسيير الأمور داخل البلد المنكوب بفعل سوء حكامه وعجز ساكنيه.
لقد تباري غلمان الأغلبية – وهم كثر أوقات الطمع- للخوض فى تفاصيل الدعوة، وتفسير مقاصد الداعية،وتأليب الرأي العام الوطنى على مؤمن آل فرعون، حينما صدع بالحق داخل برلمان مجير من قبل حاكم جائر، مستنهضا همم آخر الصلحاء فى الأمة، داعيا إلى الخيار الأسلم والأقوم للرجل المحاصر بالمشاكل بعد أن طفح الأرز والقمح، وباتت لجج الفضائح تهدد ساكنة البلد فى ظل حكم الرجل الميسور.
لقد كان صعبا على الثلة الممسكة بزمام الحق فى عالم مائع أن تجلس تتفرج على مشهد أكثر من مبكي وأكثر من محزن، أو تصطف فى سوق النخاسة السياسية وهى ترمق الشخص الأول فى الدولة ينافس أبقار المنمين نهاية يونيو على خشنات قمح قدمتها اليابان كهدية لشعب يواجه أقوى جفاف وأخطر مجاعة.
إنها النهاية المبكرة تستصرخ عقلاء القوم، والإنذار المدوي بسوء العاقبة يطرق أبواب المهتمين بمصائر الدول، والإشعار المبكر لبلهاء السياسية قبل عقلائها بأن البلد بالفعل يحتاج إلى رئيس أكثر من حاجته إلى تاجر. ولكن هيهات .. لقد افسد القمح ضمائر القوم، ورانت "سليا" على قلوب ساسة وجدوا أنفسهم فجأة في صدارة المتعاطين للشأن السياسي ومركز القرار دون كبير نضال أو تجربة أو أخلاق أو عقل يقي صاحبه بعض الزلات المهلكة.
لقد كانت الحكاية كلها كاشفة فاضحة، وكان مستوي الإحراج فيها أكبر من أن تطمسه اقالة مفوض مأمور، أو "دردشات" أبله، أو "قصاصات" يخطها "كتاب القطعة" المعتمدين لدي مستشار الرئيس.
إن الرئيس الذى بدأ مساره بمحاربة الرشوة والفساد والتعريض برموز الأنظمة السابقة بل و بعض ضحاياها، يعترف مجمل العارفين به قبل غيرهم بأن المنزل الذي حطت فيه الشاحنة "هدية" من رجل أعمال ملك الرجال بماله، وأن البلد الذى استولي عليه بقوة السلاح مع عدد من الضباط "المغدورين" اليوم من قبله، غير كاف للجم عواطفه، وأن محاربة الرشوة والفساد، لاتتنافي وأخذ المنازل والقطع الأرضية متى وجد مستعد لدفع بعض ماله للرئيس الثائر من أجل محاربة الفساد وكتم أنفاس المفسدين.
لقد كانت سقطة العمر بالفعل، الاعتذار عنها أولي من المخاصمة والمكابرة، والتكفير عنها لايتم بارجاع القمح والأرز إلى مخازن الأغذية بعد اثارة الفضيحة، بل بمصارحة يقر صاحبها أمام الشعب المغرر به لأكثر من مأمورية بعظم الذنب وسوء الفعلة. والانسحاب من المشهد له أولي من البقاء فيه.
لقد سقطت كل شعارات محاربة الفساد والشفافية والحكم الرشيد، ومعها سقطت دولة من أعين شركائها فى التنمية وهم يروون هدايا تافهة لشعب مجوع، وقد أخذت طريقها إلى مخازن الرئيس، بدل منازل الفقراء، إنها الإهانة للعلم الوطنى بكل ألوانه، وتعريض بمصداقية الحكم والشعب القابل باستمراره.
صحيح أن البعض من قليلى الفقه والعقل والضمير يمكنهم الدفاع دون حياء عن اختلاس أموال الشعب من قبل حماته المكلفون أخلاقيا بتسيير أموره، والذود عن شرعية "الأرز المقشر" ومأمورية "القمح المستورد"، لكن صحيح كذلك أن في البلاد من لايزال يميز بين الصالح والطالح، ويشعر بالمهانة وهو يري دولة أحبها، وشعبا ينتمي إليه تداس قيمه النبيلة بهذا الشكل المقزز.