ليس مبررا على الإطلاق ما أعلنه وزير الطاقة عبد السلام ولد محمد صالح فجر الجمعة ، من رفع لأسعار المحروقات بهذا الشكل المخيف دفعة واحدة، وليس مقنعا تحمله للفارق الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة عالميا (٢٩٠ للتر) والنفاخر بذلك وتقديمه للرأي العام كدليل تجلد وتحمل ومسؤولية، وشروعه فى حلب جيوب المواطنين لتعويض ما أقترفته يداه من إثم خلال صفقة " أداكس" المشؤومة (50 مليار أوقية بجرة قلم كما يقول أبرز نواب الجمعية الوطنية من كل الكتل السياسية الذين ناقشوا الوزير وحاججوه) ، فى بلد ماكان من المتوقع أن تتعطل فيه الحياة السياسية أو تعطل من أجل محاسبة أبرز رموزه لاستعادة 45 مليار أوقية من أموال العشرية المنهوبة، وهو فعل مقبول ومشروع ، ثم يكون من الممكن أو المستساغ أن تضيع فيه ثروة بهذا الحجم الهائل، لأن ضعفا فى التقدير قد حصل، أو شخصا كلف بما لايفقه، دون الدخول فى متاهات المتداول من حديث الناس، والذى عكسه حجم الإجماع داخل البرلمان على رفض سلوك الوزير ومعاونيه فى صفقة أداكس الأخيرة، والمطالب التى تراوحت بين الإلغاء وعدم التجديد، وكشف الحقيقة ومحاسبة المقصرين.
لايستحق محمد ولد الشيخ الغزوانى- وهو الرئيس الحاذق اللبق، المؤمن بدور الأفراد والمؤسسات - تخبط بعض معاونيه، وتحمل الأخطاء الناجمة عن الضعف الذى يسيرون به العديد من القطاعات الوزارية المكلفة بحياة الناس بشكل مباشر كالطاقة والمياه والزراعة والمالية، والتكوين المهنى والتشغيل والشباب والرياضة والبيئة.
إن الركون للغوغاء ومطالب التجديد غير المضبوطة هي سر مانحن فيه من تخبط وارتجالية فى بعض القرارات الحكومية، بينما أظهر القائمون على قطاعات حيوية كالدفاع و الداخلية والعدل والتعليم العالى وعصرنة الإدارة والتجارة والإسكان قيمة التجربة فى عالم اليوم، وأهمية وضوح الرؤية والتكيف مع الواقع لتسييره ومعالجته، بينما يواجه الوافدون من الخارج وأصحاب الحظوة والتوزير دون تجربة ما لايفقهون ولايفهمون، وهنا تكون الحصيلة بحجم مانعشه من تخبط فى بعض الدوائر الحكومية ، بل إن البعض لديه أولويات أخرى - وقد تقاعد أو أشرف على التقاعد- غير بناء البلد، وتحصين الواقع من الهزات الإرتدادية، وتأمين مستقبل أفضل للأجيال الصاعدة.
إن العشرية التي يفتخر البعض بها ويحاول البعض طمرها ، لم تك إنتاج رجل واحد، ولامكسب حزب بعينه، ولاحصيلة فرد أو مجموعة سياسية أو قبلية بعينها، إنها نتاج مجموعة من خيرة الكفاءات الوطنية، وكان من الأسلم البناء على ماتحقق فيها، وتصحيح الاختلالات وهي موجودة قطعا، والاستفادة من أبرز رموزها وفيهم من أهل التجربة الكثير، ولديهم القدرة على مواجهة التحديات والوعي بها.
إن الذين يحاولون نسف الماضى بكل تفاصيله لايخططون لبناء المستقبل بحال من الأحوال ، والعشرية التى يحاولون إبعاد أبرز رموزها من المشهد بحملاههم الإعلامية الغبية، هي التى حملت لنا شخصا برزانة، وثقافة ، وعقلانية الرئيس الحالى محمد ولد الشيخ الغزوانى، وكان إلى جانبه العديد من الوزراء الأكفاء الذين حملوا هم الوطن ونافحوا عن خياراتهم السياسية بكل جرأة ومسؤولية ، وقادوا القطاعات الوزارية التى تولوا زمامها بقدر كبير من الثقة بالنفس والحرص على الإنجاز.. فلم العدول عنهم؟ ولم التفريط فيهم؟ ولماذا نتركهم للمجهول؟ .. فلا نحن أستفدنا من قدراتهم المعروفة، ولانحن حصدنا رضى الغوغاء وبعض السياسيين الانتهازيين الذين يتطلعون لإخلاء الساحة من كل مفيد، ليجدوا فرصة الظهور فى عالم لايرحم الضعيف العاجز ..
إن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى مطالب الآن آكثر من أي مرة بقلب الطاولة على رؤوس المترددين العاجزين، والدفع برجاله ورفاقه، وأصدقاء المشروع الذى بشر به إلى الواجهة من جديد، ليساعدوه وليتحملوا عنه بعض مشاكل الحياة وهي كثيرة، فلا خير فى وزير تتعداه أعين السفهاء والعقلاء ليكون التوجيه بشكل مباشر على الرئيس، والانتقاد بشكل مباشر للرئيس، لأن إحساس العامة بهامشية المعاون يدفعها لتلمس الطريق نحو صاحب الفرار..
إن نظاما يمتلك أمثال الوزير النانى ولد أشروقه والوزير محمد ولد عبد الفتاح والوزير المختار أجاي والوزير سيد أحمد ولد الرايس ووالوزير أحمد ولد جلفون والوزير الدى ولد الزين و الوزير سيدى محمد ولد محم والوزير أحمد ولد أهل داوود، والوزير جبريل أنيانغ والوزير جاملل، والوزيرة ماتى بنت حمادى، والوزير يحي ولد عبد الدايم، والوزير بمب ولد درمان، والوزير عابدين ولد الخير، والوزيرة الأمينة بنت أمم، والمستشار أحمد سالم ولد فاضل والمستشار اسلم ولد أمينوه والوزير المدير ولد بونه، لهو قادر على بناء نفسه وتحريك الساحة السياسية، وشغل الناس بالمحكوم به عن الحاكم، وتدبير أمور البلد فى لحظة مفصلية من تاريخه.
إننا الآن بحاجة حقيقة إلى العودة لروح خطاب فاتح مارس ٢٠١٩، والذى كان محل قبول من مجمل الأطراف، فلا نحو ثورة ولا البلد مؤهل للثورة، ولانحن قطيعة مع كل الأنظمة ، بل امتداد يسعى أصحابها للتطوير وتحسين الموجود وتقليل المخاطر والاعتراف لكل الذين سبقونا بجميل ماصنعوا، ورفض ما جانبوا فيه الصواب، دون الانشغال بأخطاء الماضى عن بناء المستقبل.
والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل..
(*) مدير موقع زهرة شنقيط