باتت شركة الكهرباء بموريتانيا أكبر مزعج للأغلبية الحاكمة بالبلد، ومصدر ازعاج مستمر للآلاف من ضحايا سوء التسيير والإهمال والإفلات من العقاب داخل المدن الكبيرة على وجه الخصوص.
فرغم استثمار البلاد أكثر من 500 مليون دولار فى الكهرباء خلال فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، إلا أن النتائج المباشرة لها بدت أكثر وضوحا فى مناطق سكنية محدودة بالعاصمة نواكشوط، بينما يرزح الشعب المقهور داخل أقفاص الظلام المحكمة بفعل سوء التسيير، وغياب الفاعلية والقدرة على اتخاذ القرار السليم.
فرغم الفساد المستشرى داخل أروقة الوزارة المكلفة بتسيير الطاقة بموريتانيا، والعجز الذي تحول إلى مصدر للتنكيت على سياسة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مجال الكهرباء طيلة السنتين الأخيرتين، فقد ظل رأس الخيط متواريا عن الأنظار، متمتعا بما جمعته يداه من أموال طيلة المأمورية الممتدة لأكثر من 10 سنوات على رأس الشركة بفعل العلاقات التي نسجها مع كبار المحيطين بالرئيس، بينما تساقط مدراء الشركة الذين حاولوا ملأ فراغه واحدا تلو الآخر بفعل التقارير –شبه الأمنية- التي يتسلمها الرئيس كل أسبوع عن أسباب الضعف والتأثير على خططه المرسومة لحل مشكل الكهرباء بموريتانيا، والصفقات التي يعرف كبار الفاعلين فى البلد كيف تمرر.
غادر مدير الشركة محمدن ولد بلال بعد خلاف مع الوزير المثير للجدل، وتسلم صديق الرئيس أو ظل الوزير مقاليد الأمور بالنيابة لفترة طويلة، ثم تسلم ولد النهاه ملف تسيير الشركة بعد عقدين من الدراسة والعمل فى مجال الكهرباء بتوجيه من الحكومة وتمويل منها، لكن لعنة التقارير لاحقته وأبعدته عن تسييرها، ليتسم المدير المساعد تسيير الأمور بشكل رسمي، حيث اكتمل المشهد، وعادت الشركة للطاقم الذي أدارها ابان فترة العار الأكبر بموريتانيا (2008)، وكأن قدر البلاد أن تتردي بشكل سحيق نحو الهاوية، ليعيش آخرون خارج أطر المتابعة والمراقبة، بينما يلجأ سكان البلد من خارج الصفوة إلي قضاء أكثر شهور السنة حرا وهم فى ظلام دامس، ناهيك عن الآلاف المحرومين أصلا من نعمة الكهرباء بالمدن الكبيرة، وأطراف العاصمة نواكشوط.
يجلس الرئيس محمد ولد عبد العزيز فى قصره، وقد أنارته مولدات كهرباء كبيرة، ويتمتع ذووه بكهرباء متواصلة داخل المنزل الذي استفاد من توزيعات المدير سنة 2007 غير الشفافة – كما تقول تقارير المفتشية العامة للدولة- بعد أن وزعت ثلاث مولدات كهربائية على ثلاثة من أركان الحكم، ابان المرحلة الانتقالية الأقل شفافية في تاريخ البلاد.
غير أن الصورة تبدو أكثر قتامة حينما توجه ناظريك شرق القصر أو جنوبه، إنها العاصمة الغارقة في الظلام كل ليلة، والمصادرة أنفاس مواطنيها مع كل فطور أو سحور، بينما لم تعد المكاتب في النهار ملاذ الصائمين الفقراء، بعدما باتت الشركة معنية بقطع الكهرباء عن وسط العاصمة نواكشوط في الظهيرة باستمرار.