فى أبرز معاقل ورش : ذكريات التأسيس وآفاق المستقبل (صور)

ما حصل أمر لايصدق ، إنه فتح من الله عز وجل.

بهذه الكلمات حاول المدير العام لمعهد ورش، ورجل الأعمال البارز بمقاطعة جكنى اسلكو ولد حيده أن يختصر رحلة ورش من التأسيس إلى اليوم.

كانت السيارة تتجه بنا صوب المركز العام للمعهد وسط المدينة، حيث يرابط أكثر من 11 أستاذ، للإشراف على الإمتحانات السنوية للمعهد، بمشاركة 280 من حفاظ كتاب الله، الباحثين عن الإجازة، بعد سنوات من الإجتهاد والمثابرة.

توقفنا قليلا قرب منزل من الطين يقع شمال الطريق الرابط بين منزل المدير العام للمعهد والمركز . يصف المدير اسلكو ولد حيده ذلك المنزل المتواضع بأنه معلمة من معالم جكنى، التى يجب أن تصان وأن تحفظ، ففيه تم إطلاق النواة الأولى لمعهد ورش، وبه عقد الإجتماع التأسيس لأول محظرة بالمدينة بشكل منتظم ومدروس وجماعى، بمبادرة من أحد أبناء المقاطعة الذين آلمهم حجم التصحر الثقافى بها، وتراجع الإهتمام بكتاب الله عز وجل بين الناس.

 

يتذكر المدير العام للمعهد اسلكو ولد حيده كيف زاره أحد أقاربه خلال عودته من الصين، طالبا منه إعادة التفكير فى واقع المقاطعة الحالى، وإطلاق مبادرة لتدريس كتاب الله، بعد رحيل أوضعف ثلاثة من أبرز المهتمين بالقرآن وتدريسه بالمنطقة، وغياب أي شخص قادر على صلاة التراويح بمجمل قرى وآدوابه المنطقة، وكيف سرق الفراغ والإهمال ناشئة المدينة وضواحيها، وهو ما شكل نقطة تحول فى تاريخ مقاطعة جكنى بالحوض الشرقى، بل فى البلد بشكل كامل خلال بضعة سنين.

يقول المدير العام اسلكو ولد حيده – وهو يشير بالتحية على بعض أبناء الحي- هنا انطلقت أولى المحاظر بمساعدة الأخوين ؛ أيى ولد معاذ وسيدنا ولد عبد الرحمن) ، وهنا تمكنا خلال الأيام الأولى لإتخاذ القرار من جمع مبلغ مليوني أوقية قديمة، لتأمين راتب أول شيخ بالمقاطعة لأول محظرة بمعهد ورش، وهنا تطوع الأخ صاحب الطلب، والمتحمس للفكرة، بمتابعة المحظرة ومراقبتها، مع تشكيل لجنة عهد إليها بتدبير أمور التلاميذ.

كان إقناع الناس بالتوجه إلى محاظر ورش فى البداية من أصعب المهام، وكنا نتحرك فى رجال الحي من أجل شرح الفكرة، ونفي أي طابع سياسى لها، أو أي هدف آخر غير تدريس كتاب الله عز وجل، وكانت ساحة المسجد مسرح نقاش مستمر مع بعض الشيوخ المعتضرين على تأسيس معهد ورش، وكان البعض يسارع إلى عرض أولاده كمساعدة فى تأمين انطلاقة المشروع، وكنا نقابل كل عرض بالتقدير والترحيب.

قبل الإنطلاقة نحو المركز العام لمعهد ورش، كان فى بهو المنزل بضواحى جكنى أحد أقارب المدير العام للمعهد، شيخ وقور، قادم للتو من العاصمة نواكشوط لتفقد بعض ممتلكاته بالمقاطعة، لكنها سانحة أختار أن يلتقى خلالها بالمدير العام، مستذكرا صعوبة البداية، وكيف واجه الناس معهد ورش لأول مرة، وكيف يضغطون اليوم بكل السبل من أجل الإستفادة من خدماته، بل ويستعرض نماذج ناجحة غيرت واقع البعض بعد عقود من التهميش.

يتوقف المدير العام قرب بيت من الإسمنت وعريش، هو أول محظرة نسائية خالصة بالمقاطعة، مشيدا بإرادة القائم عليها، قائلا إنه أستطاع اقناع شقيقه القاطن فى البادية بارسال بناته إلى المدينة من أجل الإستفادة من التعليم، وكانوا من الدفعة الأولى بمعهد ورش، واليوم باتت احدى بناته شيخة للمحظرة، بعد نالت الإجازة بجدارة، وأتقنت علوم اللغة العربية وأخذ من كتب الفقه ماتيسر منها فى المنطقة، وإلى المحظرة التى تديرها لصالح ورش يغد نساء الحي من كل الفئات والأعراق لأخذ كتاب الله وتعلم ماتيسر من كتب الفقه وشوارد اللغة العربية. ويضيف المدير قائلا " هذه احدى المحطات التى أثرت كثيرا فى الحي، وألهمت سكان قرى الريف من أجل الإقبال على ورش، إنها قصة نجاح عظيمة".

فى المقر العام للمعهد بمقاطعة جكنى ينهمك العمال فى بناء المسجد الجديد بالمنقطة وملحقاته، وينهمك آخرون فى بناء حمامات جديدة للتلاميذ، وترميم بعض القاعات الدراسية، بينما تستعد الإدارة إلى الإنتقال للمقر العام الجديد، والذى يعتبر قصة أخرى من قصص البذل والعطاء، والإهتمام بالقرآن وأهله.

على طول الشارع الممتد بين المقر القديم والجديد، يتحدث المدير العام اسلكو ولد حيده عن الهدف الذى رسمه من أول يوم، وهو أن تكون للمعهد بنية تحتية بمقاطعة جكنى قادرة على استعاب الطلب المتزايد، وكيف خاطبه شقيقه على وجه المداعبة قائلا " إذا تمكنتم من شراء القطع الأرضية  الواقعة بين المركز ومنزلى، سأمنحكم المنزل مجانا" ، بعد عشر سنين، خرج شقيقه عن منزله الضخم بالمقاطعة ( منزل من 12 غرفة) ليسلمه لمعهد ورش، بعدما تمكن القائمون على المعهد من تأمين الشرط الذى طرحه قبل أعوام.

 فى المنزل اليوم ترابط لجان الإجازة وأعوان المدير وبعض أساتذة المعهد، وبه ستتمركز الإدارة الجديدة للمعهد، بينما ستنح مكاتب الإدارة السابقة للطلاب من أجل تعزيز مكان إقامة التلاميذ.

فى مقاطعة جكنى اليوم 98 محظرة تابعة لمعد ورش، جلها فى مناطق الريف وآدوابه وبعض قرى السونكى، ولكن حظ آدزابه على الشريط الحدودى الموريتانى المالى هو الأكبر، بحكم فلسفة القائمين عليه، والتى تعلى من قيم التأمين الفكرى للمناطق الحدودية المهددة بالإنحراف والغلو ، بحكم الواقع المر بالمناطق المالية المجاورة والبعد من مراكز التعليم التأثير بموريتانيا.

توجد بأقسام المعهد فى المقاطعة اليوم  700 حافظ لكتاب الله من الجنسين، ومنه تصدرت أول فتاة دفعة الماتسر بالجامعة ودفعة الإجازة بورش السنة الماضية، وفيه تقام الإمتحانات السنوية لطلاب الإجازة بالحوضين، وفيه يمضى المدير العام لورش أكثر من ثلاثة أشهر مخصصة بالكامل للأنشطة المتعلقة بكتاب الله عز وجل، من حفلات تخريج للحفاظ، أو حفلات افتتاح للمحاظر الجديدة، أو تكريم للطلاب المتميزين، أو استعراض للتجارب الناشئة تسجيعا لها، ومنه تنطلق وفود المعهد إلى المناطق الشرقية بالكامل ( تمبدغه / النعمة- لعيون- الطينطان- كوبنى).

يرى المدير العام لمعهد ورش بأن الفكرة ماكان لها أن تنضج وتثمر بعد توفيق الله عزل وجل ورعايته، لولا رجال صدق من كل أبناء البلد، كانوا ذات يوم أول مسرع لتلبية النداء وتشجيع الفكرة، وخصوصا من رجال الأعمال وتجار البلد المقيمين بالصين.

فهنا – يقول ولد حيده- ولد معهد ورش حقيقة لامجازا، وهنا انتقلت الفكرة من طور التفكير ودهشة االبداية إلى عمل مؤسسى ينفع الناس ويمكث فى الأرض، وهنا أتسعت أفكار الرجال للإستثمار فى تعليم القرآن ودعم المنشغلين به، وهنا تحول معهد ورش من محظرة متواضعة بجكنى إلى أكثر من 900 محظرة، بها أكثر من 30 ألف طالب، ولديه عدة فروع بالعاصمة نواكشوط والعاصمة الإقتصادية نواذيبو وبوابة الجنوب (روصو)، ومنطقة شمامه (أركيز)، ولعصابه (كرو) وفى الشمال ( أطار – شوم)، وكان لمنطقة آفطوط حضورها المميز، ولآدوابه بالخصوص أكبر حصة وهو ما أثمر مئات الحفاظ من مختلف الشرائح لله الحمد.

يقول المدير العام اسلكو ولد حيده إن المعهد يمكنه بقليل من التعاون تغيير واقع البلد ومحاربة الجهل وكل أمراض المجتمع المرتبطة به، ويتذكر بفخر كيف شاهد الكل ثمار فرع المعهد بالميناء ، حينما أشرف الرجل الفاضل والفقيه الكبير محمد ولد عبد المالك على تخريج 160 حافظ لكتاب الله من أبناء الميناء بالعاصمة نواكشوط لوحدها. قائلا إنه إنجاز لايقاس بشيئ آخر.

يرفض اسلكو ولد حيده الحديث فى السياسة ويعتقد أن الإنشغال بالتعليم هو أهم دور فى حياة الأفراد، لكنه يقر بعمق التحول فى النظرة للمعهد خلال فترة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، ويكرر فى كل اجتماع عقده بأن التشريع على المستوى الوطنى الذى ناله ورش، يذكر للرئيس ويشكر، ومن لايشكر الناس لايشكر الله. وينظر بقدر كبير من الإحترام للقائمين على الشؤون الإسلامية فى الوقت الراهن، وكيف تابعوا ملف الترخيص إلى أن منحوه للإدارة العامة للمعهد، وحجم التعامل الأخوى مع شيوخ المعهد والقائمين عليه.

توجد عدة أطراف محلية تطلب من وقت لآخر مد يد العون للمحاظر التابعة لها والمستقلة عن معهد ورش، وذلك من أجل رعايتها ومراقبتها من شيوخه والعاملين فيه . وهو جهد يقدمه المعهد للجميع دون استثناء، حيث يوفر أساتذة للتحفيظ من أجل مراجعة الجهد المقام به، ومراقبين لسير المحاظر وسلوك التلاميذ والجهد المقدم من الأستاذ، بينما يتكفل الأهالى بتوفير الراتب للأستاذ،لأن العملية تشاركية بالأساس، فليس للمعهد موارد مالية كافية لتبنى كل المحاظر، لكن لديه إرادة لمتابعتها وتقييمها وتقديم النصح للقائمين عليها، والتشاور المستمر مع اصحاب الرأي وشيوخ القرى وآدوابه من أجل الوصول إلى الهدف المرسوم، وهو تخريج جيل حافظ لكتاب الله، ملم بعلوم اللغة وكتب الفقه، ومنخرط فى التعليم النظامى، إذ لاتناقض بين ورش والمدرسة، والتوصية الصادرة لكل الأساتذة عنوانها الأبرز "نحن والتعليم النظامى نتكامل، ولسنا بديلا عن جهود الدولة، ولاوجهة للصد عن النظام التعليمى الرسمى".

يفحر المدير العام لمعهد ورش اسلكو ولد حيده بأن طلاب المعهد الذين سمحوا لهم باجراء مسابقة الباكولوريا نجحوا بنسبة 100% والطلاب الذين شاركوا فيها دون ترشيح من المعهد نجحوا بنسبة 75% ، والطلاب الذين شاركوا فى مسابقة المعهد العالى كانوا من العشر الأوائل، والطلاب الذين شاركوا فى مركز تكوين العلماء احتلوا الصدارة، والطلاب الذين شاركوا فى المسابقات الوطنية كانوا هم طليعتها وعنوان التميز بلا منازع.