ملاحظات أولوية على تشكلة لجان حزب الإنصاف الحاكم بموريتانيا (تقدير موقف)

شكلت اللائحة النهائية للجان التحضيرية لحزب الإنصاف الحاكم ، أبرز رسائل الحزب الرامية إلى تأكيد ما أتفقت عليه القوى السياسية بشأن تعجيل الإنتخابات التشريعية والبلدية والجهوية، مع الخلط المتعمد بين القوى الفاعلة فى لجنة إصلاح الحزب، والأطراف التقليدية الممسكة به (االمكتب التنفيذى ونواب الرئيس ومجلسه الوطنى).


 

ولم تخل اللجان من ملاحظات شكلية وأخرى جوهرية، وتحفظ من بعض القوى المحلية فى الداخل، رغم أن الوقت لايزال مبكرا عن رصد ردود الفعل المحتملة على لجان الحزب المكلفة بالتحضير للانتخابات المقبلة.

 

وهذه أبرز الملاحظات :

 

  • احترام التخصص : وقد كان جليا فى تكليف وزير الاقتصاد والمالية الأسبق سيد أحمد ولد الرايس وثلاثة من رجال الأعمال ( محمد ولد أشريف / لمرابط ولد الطنجي/ محمد الغيث ولد الشيخ الحضرامي) بتأمين الموارد المالية للحزب خلال المرحلة القادمة (التحصيل وضبط التسيير).

  •  

كما أقر الحزب المنهجية ذاتها فى تكليف النائب المختار خليفه بملف الجاليات فى الخارج، وهو أبرز رجال الأعمال بالصين، ورئيس اتحاد الجاليات.

 

إعادة الثقة لأهل التجربة : وقد كان ملف العمليات الإنتخابية أبرز عنوان لذلك، عبر تكليف الوزير النانى ولد أشروقه به، وهو الذى أدار الملف فى حملة 2019 و2018 ، وهو من أقرب المقربين للرئيس فى التشكلة الوزارية الحالية – بعد وزير الداخلية- ،وأحد أكثر الوزراء داخل الحزب حيوية، ومعرفة بكواليس العملية السياسية.

 

غير أن الحزب أعاد خلط الأوراق السياسية من خلال تشكيل لجانه المتخصصة فى المناطق الداخلية، وكان منسق المناطق الشرقية ( محمد يحي ولد حرمه) أبرز مثال على ذلك. حيث أن الرجل رغم انتمائه الجهوي (اينشيري)، هو بصفة أو أخرى جزء من التركبة الحاضرة بقوة فى التدافع على المناصب الإنتخابية بالمناطق الشرقية أو مايعرف بحرس الحزب القديم أو النخبة الممسكة بالحزب الحاكم منذ 2010 ، وكان – رغم تجربته وأخلاقه- يمكن استبداله بشخصية محايدة فى نظر كل الأطراف المحلية. وهو نفس الحال بالنسبة لمنسق المناطق الشرقية ( علي ولدعيسى) الذى ينظر إليه كواجهة سياسية لأحد أبرز الأطراف السياسية الراغبة فى الحضور بالحوض الشرقى ( الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف)، الذى عمل مديرا لديوانه طيلة فترة توليه مقاليد الوزارة الأولى، وظل حليفه الأقرب وهو خارج التولفة الوزارية، ومن الصعب أن تقبل به الأطراف المحلية كقائد سياسى محايد فى اللعبة الحالية بالحوض الشرقى. بينما كان تكليف المدير ولد بونه بالحوض الغربى من الرسائل السياسية الجيدة، والخيارات المقبولة فى ظل انعدام أي صلة – قبلية أو جهوية أو علاقة سابقة- بأي مكون من المكونات السياسية الرئيسية بالولاية.

 

وينطبق الموقف على الوزير محمد ولد أسويدات، فبرغم ثقته ومكانته داخل التشكلة الوزارية، والقيادة السياسية للحزب، ‘إلا أن تكليفه بكوركل سيثير الكثير من الأسئلة بحكم دوره المركزى فى لبراكنه المجاورة، ونفوذه الذى يمتد إلى ضواحى كوركل أو الأطراف القريبة من مقاطعة بوقي على أقل تقدير، وخصوصا فى ظل تبادل شبه متفق عليه بينه وبين الفاعل بكوركل الوزير السابق "جاملل" الذى كلف هو الآخر بولاية لبراكنه.

 

وقد أبقى الحزب على الأمين العام لوزارة الشؤون الإسلامية بيت الله بولاية منسقا للعمل فى ولاية أترارزه، وهو خيار يعلى من قيمة التجربة السياسية للرجل بالولاية، ويحقق التوازن المطلوب بين مكوناتها، ويراعى مجمل الحساسيات القائمة عكسا ما أشرنا إليه آنفا، ومثله تكليف أحمدو ولد أخطيره بملف كيدي ماغه.

 

وقد كان من الممكن تكليف الوزير "جا ملل" بالحوض الشرقى (مهد الصراع والتنافس بين مجمل القبائل والأحلاف الفاعلة فى السلطة)، والوزير محمد ولد أسويدات بالحوض الغربى، والمدير ولد بونه بولاية كيدي ماغه، وأحمدو ولد أخطيره بولاية كوركل وعالى ولد أعلاده بولاية لبراكنه، وذلك للخروج من أي تجاذب يمكن أن يثار خلال المرحلة القادمة، وخصوصا فى ظل الخيارات الصعبة للحزب والتنافس القوى بين الأحلاف السياسية داخله.

 

وقد كانت خيارات الحزب بالشمال (تيرس زمور / آدرار/ إينشيري) وتكانت ونواذيبو جد مقبولة ومتوازنة.

 

كما أن تكليف الوزير السابق المختار ولد أجاي بالعاصمة نواكشوط كان من الأمثلة الصارخة على إعلاء منطق التجربة والخبرة والحيوية، فهو الذى أدار العملية السياسية أيام الإستفتاء بنواكشوط، ولديه أكبر تحالف فيها، وصاحب علاقات واسعة بمجمل الأطر فى هرم الدولة الموريتانية، ولديه القدرة على الخطابة والإقناع فى وسط ترتفع فيه نسبة الشباب وبه تحديات جمة للسلطة والأطراف امحسوبة عليها.

 

وقد كان واضحا من خلال التركبة المعتمدة من الحزب فى تفرغ زينه وعرفات والرياض وتيارت ودار النعيم والميناء وتوجنين، أن الحزب يريد حسم معركة نواكشوط بأقل الخسائر.

 

ولم تخل اللائحة عموما من تحفظ أطراف واسعة، لم تجد لممثليها أي دور فى الرؤية السياسية للحزب فى الوقت الراهن، سواء تعلق الأمر بلجنة الإصلاح أو لجنة الإنتخابات، وربما تزداد الأمور تعقيدا إذا أعتمدت نفس النظرة فى الترشيحات المحتملة للحزب خلال المرحلة القادمة.