شكل القيادى فى التيار الإسلامى، وعمدة بلدية عرفات الحالى الحسن ولد محمد حالة استثنائية داخل حزبه، بل ومجمل الأحزاب السياسية العاملة بموريتانيا، بعدما بات القيادى الوحيد الذى يحسم ثلاث مأموريات على رأس أحد أكبر المجالس المحلية بالعاصمة نواكشوط ( معقل الوعي والصراع)، بينها واحدة شكلت أكبر نصر فى تاريخ الصراع بين الإسلاميين والسلطة منذ بداية المسلس الديمقراطة ( معركة عرفات 2018).

لم يفكر ولد محمد – وهو يغادر جامعة نواكشوط منتصف تسعينيات القرن الماضى، إلى عالم التجارة – أن تكون الوجهة لاحقا هي ميادين السياسة والصراع ومغالبة الحاكم عبر صناديق الإقتراع، رغم انتمائه المبكر للتيار الإسلامى، وتموقعه ضمن صف القادة، بحكم الثقافة والقناعة بالفكر الإخوانى الذى تلقفه بشكل مبكر، وعززته سنوات التحصيل بالجامعة. لكن طبيعة الرجل الهادئة وشخصيته المرحة، وحرصه الدائم على إمساك العصى من الوسط والخروج بخلاصات توافقية، لم تحل بينه وبين قيادة أكبر معركة سياسية وانتخابية كانت حاسمة فى الصراع الدائر بين حاكم ينظر للإخوان كشر يجب التخلص منه (الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز) ، وشعب يرى فى الحسن ولد محمد عنوان كرامة يجب أن تصان، وأن تحمى مهما كانت تعقيدات الواقع المحيط بتجربته على رأس المجلس البلدى، والحصار المفروض عليه لإفشال تجربة سياسية من أنجع ماسجلته جهات الرقابة المختصة فى مجال مراقبة العمل الجمعوي والتجمعات المحلية بموريتانيا.

لم يتوقع أي محلل من خارج دائرة صنع القرار فى التيار الإسلامى أن يقبل الحسن ولد محمد بالعودة للتنافس على رأس بلدية عرفات، وهو الممسك بزعامة المعارضة منذ خمس سنين، معتبرين أن منطق الأشياء يلزمه بالحفاظ على ما حقق من نصر خلال مأموريتين، وأن لايقبل بالتحول من زعيم للمعارضة إلى مجرد مستشار بلدى بأحد المجالس المحلية. لكن الحسن ولد محمد أختار المغامرة من جديد، تلبية لنداء حزبه، وثقة بالناخب الذى عايشه وعامله ، بأفضل ما لديه – كما قال فى مهرجان جماهيري عشية ترشحه 2018 – بينما كانت الدموع تغالب جل عيون الحشد الحاضر، وهم يستمعون منه إلى خطاب ألب السلطة لاحقا عليه، لكنه أذكى الحماس لدى أنصاره قبل معركة الشوط الثالث والحاسم.

اليوم يودع الحسن ولد محمد قيادة بلدية عرفات، أو هكذا تقول المعطيات المتوفرة، والخيارات المطروحة أمام حزبه كثيرة، ولكن لايزال الوقت جد مبكر لمعرفة الراجح منها.

يعتقد البعض أن الحسن ولد محمد هو الأوفر حظا بقيادة اللائحة الجهوية للنواب بنواكشوط الجنوبية، تقديرا لمساره السياسى، وتثمينا للجهد المبذول من طرفه لأكثر من 16 سنة، وحسما لمقاعد برلمانية يحتاج إليها الحزب، وتأمينا لمكانة سياسية يحاول البعض انتزاعها، وتقليلا للجهد المحتمل بذله فى الدعاية الإنتخابية، بغية التعريف برئيس اللائحة البرلمانية للحزب. بينما يعتقد آخرون أن المؤتمر القادم لحزب "تواصل" قد يحمل للرجل فرصة للتخفف من المناصب الإنتخابية، وقيادة التولفة السياسية (رئاسة الحزب)، بحكم موقعه داخل المنظومة الحزبية، ومكانته داخل الساحة الإسلامية، والحاجة إلى شخصية توافقية داخل الحزب وخارجه، بحكم الأجواء الإستثنائية التى يمر بها البلد، وطابع التهدئة الذى ميز السنوات الثلاثة الماضية من حكم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى، وحالة اللايقين التى سادت أوساط الحزب، بعد الخلاف السابق بين بعض رموزه حول العديد من القضايا الجوهرية والحساسة، وألقت بظلالها على المشهد العام لبضعة أشهر، بسبب خروجها للعلن وتبادل النصائح والتوجيه والنقد فى العام بدل أروقة الحزب ومجالسه.

وبغض النظر عن العقبات المحتملة أمام أي من الخيارين، سيظل العمدة الحسن ولد محمد - دون شك- أحد أبرز الأسماء المطروحة فى الساحة الإسلامية مع كل استحقاق داخلى أو انتخابى، باستثناء العودة لبلدية عرفات من جديد.