خصصت محكمة الجنيات المختصة في مكافحة الفساد ثاني أيامها (الخميس 26/01/2023) لنقاش الدفوع التى تقدم بها دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض المشمولين معه في ملف العشرية أمام تشكلة المحكمة صباح اليوم، وسط جدال حاد بين المحامين المدافعين عن المعتقلين، والطرف الآخر الذى يمثل الدولة الموريتانية.
دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وصف القرار الأخير الصادر بحقه بأنه غير قانوني، وغير مبرر، وأنه يخالف مقتضيات القانون الموريتانى (قانون الإجراءات)، وأن لامبرر أصلا لسجن المشمولين في الملف قبل صدور أحكام نهائية من جهة الإختصاص، وأن المحكمة أتخذت قرارها الأخير دون إبلاغه للدفاع، مما أضاع حقه المكفول (الطعن في القرارات القضائية أمام الجهات المختصة في الآجال المنصوص عليها)، وأنها ملزمة بالعودة للقرار الأول الذى أبلغت به الأطراف من قبل رئيس المحكمة يوم 12 يناير 2023، والقاضى بضرورة الحضور يوم الخامس والعشرين من يناير 2023 دون اصدار أي بطاقة إيداع في حق أي من المشمولين في الملف.
وذهب بعض المدافعين عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى اتهام جهات العليا بالإحتفاظ كرهينة داخل القاعة، رغم مكانته السياسية، ودوره في هرم الدولة الموريتانية لعشرات السنين. وأن الأمر مخالف للقوانين المعمول بها، ويهدد حياة الرجل، ويخالف التوصيات الصادرة من الجهاز الطبى المشرف على حالته الصحية.
وانتقد بعض المحامين ظروف احتجازه، قائلين إنه في سجن انفرادى، وإنه بدون تلفزيون (..)، وأنه أعيد للمكان الذى كاد يفقد في حياته قبل أشهر، حسب ما أكده مجمل المحامين الذين دافعوا عنه خلال الجلسة الحالية. مستعرضين توصية الأطباء بمركز امراض القلب، وتقرير آخر أعده الطبيب المعاين له فى أحد المشافى الفرنسية، وهو طبيب مختص في أمراض القلب والشرايين حسب الدفاع ، وهو مادفع رئيس المحكمة إلى طلب نسخة من التقرير الطبى المذكور، والسؤال عن الطبيب الذى أعده، وعن اختصاصه فى المشافى الفرنسية.
وطالب البعض الآخر رئاسة المحكمة بعدم الخضوع للضغوط نهائيا دون تحديد الجهة المسؤولة، وضرورة التعامل مع الملف بروح القانون والقانون فقط، مشيدين بتجارب سابقة كانت فيها لتشكلة المحكمة الحالية مواقف تذكر وتشكر، بحسب أحد المحامين الذين رافعوا أمامها في ملف البنك المركزى قبل أشهر.
وطالب بعض المحامين بتمكينهم من وضع طلب مكتوب أمام تشكلة المحكمة الآن داخل القاعة، إذا كانت الإجراءات القانونية تتطلب ذلك، ولم يمانع رئيس المحكمة من تقديم أي طلب، غير أن البعض الآخر وصف الأمر بأنه إجراء غير مجدى، وأن القانون ينظم طلبات الحرية المؤقتة، وعلى من أراد لموكله حرية مؤقتة أن يلجأ للإجراءات المنصوص عليها في القانون، وأن تنتقل المحاكمة إلى طور المرافعات ونقاش الأصل بشكل مباشر.
مواقف عبر عنها بقوة المحامى ابراهيم ولد أدي، ولم يستسغها زميله المحامى محمدن ولد إشدو، لكن الأول خاطبه قائلا هذا رأيي الشخصي، ولديك رأيك وأنت حر فيه.
أما المحامى ولد أحمد مسكه فقد قدم طالب بالحرية المؤقتة لموكله فورا داخل المحكمة، وكشف القاضى خلال الجلسة عن طلب آخر تلقاه صباح اليوم قبل ترأسه الجلسة الحالية من أحد المحامين، بشأن موكله داخل القاعة، وأنه أشر عليه، قائلا إن خيار تقديم الطلبات وفق الأصول القانونية قائم.
دفاع الدولة الموريتانية خرج عن صمته اليوم، طالبا تمكينه من دوره بالتساوى مع الآخرين، لكن رئيس المحكمة نبه الدفاع بأنه لم يتلق منهم أي طلب بالتدخل في جلسة الأمس، وأن المطروح للنقاش اليوم هو موضوع الإجراءات المتخذة من قبل المحكمة بشأن حرية المحالين إليها.
طلبات المحامين المحالة لرئيس المحكمة قوبلت بالرفض من الطرف الآخر بقوة، وكادت الأمور تخرج عن سيطرة أمن القاعة في الصفوف الأمامية، لولا تدخل القاضى، الذى أمر بنشر عناصر من الشرطة بين المحامين، وهدد باتخاذ تدابير جديدة، ورفع الجلسة فورا إذا لم تعد الأمور لنصابها، وحمل البعض مسؤولية أفعاله، لتعود الأمور إلى نصابها، وبعدها تم سحب عناصر الشرطة وعاد الجميع للمقاعد من أجل الإستماع للقرارات المتخذة من قبل القاضى ومداخلات المحامين.
وبعد نقاش مطول قرر القاضى دون مغادرة المقعد وبشكل مكتوب تمكين الدفاع المنتدب من الدولة الموريتانية من ابداء رأيه في الملف المعروض للنقاش اليوم الخميس، وبعد أن تم إملاء القرار على كاتب الضبط، تم استدعاء المحامى لوغورمو عبدول ليكون أول من يتكلم في الملف من الفريق المنتدب من قبل الدولة الموريتانية.
وقد أثار لوغورمو عبدول أزمة حينما وضف البعض بالاختلاس والسرقة، قائلا إن الشعب يريد أن يعرف مصير أمواله المنهوبة، وأن الدولة تحركت لحماية مصالحها ومصالح الشعب التى يمكن الجزم بأن جرائم كبيرة أرتكبت بحقه من قبل البعض.
وقد نبهه رئيس المحكمة المحامى بضرورة العودة للنقطة محل النقاش، وترك الخوض في المضمون إلى غاية فتح الملف، وبداية المرافعات، هو ما أعاد القاعة للهدوء بعد احتجاج المحامين الآخرين.
كما تدخل المحامي فضيلى ولد الرايس خلال حلسة اليوم ، منتقدا جهل البعض بالقانون الموريتانى، ومحاولة تأويل النصوص القانونية الواضحة. قائلا إن ماذهب إليه زميله بشأن وجوب اعتقال المشمولين في الملف أمر مفروغ منه، وهو ما نصت عليه المواد القانونية المنظمة لسير الإجراءات الخاصة بالمحاكم الجنائية.
كما أنتقد تصريحات بعض المحامين الأجانب بشأن اختطاف بعض المشمولين في ملف الفساد، قائلا إن عمل الأجهزة الأمنية المسنود بقرارات قضائية لايمكن وصفه بالاختطاف، وأن في الأمر إساءة للدولة الموريتانية، ويجب الكف عنها. وقد عادت المحامية اللبنانية للقول بأنها لم تقل ما أشار إليه المحامى فضيل ولد الرايس، وأنه حاول إيهام الناس بأنها قالت ماذهب إليه. غير أن رئيس المحكمة رفض السماح لدفاع ولد عبد العزيز بمقاطعة الطرف الآخر، مع وعد بإعطاء الكلام لاحقا للتعليق على ماتم تداوله من أفكار وأطروحات خلال النقاش.
وقد ذهب المحامي يربه ولد محمد صالح وزميله عبد الله ولد أكاه إلى تأكيد نفس الفكرة، والقول بأن النصوص القانونية واضحة، وأن المحاكم الجنائية لا يأتيها فرد من الشارع، وهو ماذهب إليه المحامى النعمة ولد أحمد زيدان مؤكدا أن المحاكم الجنائية لا يمثل أمامها شخص من تلقاء نفسه، بل لابد من أن يساق إليها من طرف القوة العمومية، وهو نص يؤكد سلامة موقف رئيس المحكمة الجنائية الحالية، وصدقية النصوص المعتمدة من قبله في التأسيس للقرار المذكور، ووضوح الأفكار التى دفعته لذلك.
وكيل الجمهورية أحمد ولد عبد الله أستغرب كيف تخاصم محكمة في قرار أتخذته، قائلا إن المحاكم لاتخاصم في القرارات التى تتخذ، ولكن هنالك محاكم يمكن اللجوء إليها للطعن في القرارات الصادرة من المحكمة الجنائية ، وهنالك محاكم يطلب منها العودة عن القرارات المتخذة فيها، وليست منها المحاكم الجنائية إطلاقا.
وأكد أن الطريق الوحيد للحصول على حرية مؤقتة هو الذهاب للجهة المختصة وفق الآليات المعروفة، مؤكدا احتفاظ النيابة في رأيها بشأن الطلبات الشفهية المطروحة من قبل بعض المحامين إلى غاية وصولها إلى النيابة العامة ، عبر الطرق القانونية التى أشار إليها رئيس المحكمة.
كما دافع ولد عبد الله عن الإجراءات التنظيمية المعمول بها، قائلا إنها اجراءات بسيطة وروتينية، وقد تم السماح للمحامين والصحفيين والجمهور بالدخول، وفق الطاقة الاستيعابية للمكان، والإجراءات المعمول بها عند البوابات الرسمية، هي اجراءات تهدف بالأساس إلى تطبيق القرار الصادر عن المحكمة بشأن منع الهواتف أو ما يقوم مقامها من الدخول في إلى قاعة المحاكمة.
وشدد بالقول على أن العمل يجرى في المحاكمة الحالية وفق النصوص القانونية، والأعراف المعمول بها منذ 2005 إلى اليوم، وربما من قبل ذلك. ولا يوجدا ما يدفع المحامين إلى الطعن في القرارات الصادرة من طرف رئيس المحكمة، لأنها تطبيق للقانون صرف، والقيام بإجراءات لابد منها في المحاكم الجنائية، وكان يجب أن لا تكون محل خلاف.
وقد رفع القاضى الجلسة لبعض الوقت من أجل الصلاة على أن يعود لاحقا للبت في القضايا المثارة.
متابعة زهرة شنقيط