الزراعة البعلية: هل نجحنا في رفع المحاصيل وجودتها؟ / محمد عبدالله اللهاه

كانت التعليمات جلية كي تؤخذ كل التدابير لضمان رفع المحاصيل والإقلاع بهذه المكونة الهامة من الزراعة والمنخفضة التكلفة. فإشراف فخامة رئيس الجمهورية بنفسه على إطلاق الحملة الزراعية والتعليمات الهامة التي تضمنت كافة خرجاته للنهوض بالزراعة حيث كانت توجيهاته النيرة لمساعدة و دعم الزراعة الموسمية جلية ضمن اجتماعه بالاطر خلال زيارته الأخيرة للنعمة التي انعقد فيها مجلس الوزراء الاسبوع الماضي، ورغم كل هذه الارادة القوية من السلطات العليا، لم تصل جهود الادارات المعنية الى مستويات قياسية لمواكبة توجهات القيادة. فهل كان الوقت اسرع من اللازم ام أن تبني سياسة أكثر نجاعة يتطلب الدقة في التخطيط والبرمجة مما يستدعي وقتا أطول لم تتوفر عليه الادارات المعنية. على كل حال، يكاد يكون اكبر جهد تمثل في عرض تقارير متلفزة من هنا وهناك ومقابلات مع بعض المزارعين المسننين المنهكين يتحدثون فيها عن ماضيهم وحملاتهم الزراعية التقليدية وبعض الزيارات الميدانية للمسؤولين الاداريين. وقد عرض في بداية الحملة الزراعية على المشاهد حمولة سيارات رباعيات الدفع من السياج وبعض الآلات الخفيفة لاتكاد تكفي لسد واحد او قرية واحدة بدل ان يرى المشاهد عشرات الشاحنات المحملة بالسياج والمعدات الزراعية تصل كل سد وكل قرية. إن الزراعة البعلية (المطرية) من أهم عوامل تحقيق الاكتفاء الذاتي بتكلفة منخفضة، بل إنها تشكل فرصا هامة لبرامج الصمود ومكافحة الفقر وخاصة في بلدنا الذي لازال يعتمد في أمنه الغذائي على الاستيراد عبر منظومات هشة تتخللها انقطاعات في تموين السوق عند حدوث ابسط الأزمات برا او بحرا. لذا فإن النهوض بهذه الزراعة يجب أن يكون توجها استراتيجيا. ولكي نحقق هذا الهدف، فلابد من استعراض بعض الملاحظات التي تشكل أساسيات النهوض بالزراعة المطرية وتطويرها وعقلنتها.
1) توفير مضخات تعتمد الطاقة الشمسية الرخيصة لتروية المساحات المحيطة بكل سد وزراعتها بالبور حتى تتضاعف المساحات المزروعة بدل الانتظار حتى تجف مساحة من السد.
2) تطوير البذور لتوفير بذور محسنة عالية المردودية. ربما تطلب ذلك إنشاء مختبرات بحث وبرامج على عدة سنوات والتعاون الثنائي مع بعض البلدان الشقيقة للاستفادة من تجربتها.
3) اقتناء وتوزيع الآلات الزراعية اليدوية وشبه اليدوية غير المكلفة والتأطير والتكوين على استخدامها حتى يتسنى للمزارع الاستعانة بها وتخفيف العبئ عليه. فبواسطة المكننة او بعض الآلات البسيطة للبذر ونزع النباتات الضارة والقيام ببعض المهام، يمكن للمزارع مضاعفة المردودية مع تسهيل العمل بجهد أقل مما يحقق إنتاجا اوفر. كما يمكن صنع الكثير من هذه الآلات الزراعية محليا لأنها سهلة الصنع و التركيب ويمكن ان تصنع دون محركات على عجلات بسيطة كعجلات الدراجة او مايشابهها واستغلالها بواسطة الجر بالمواشي او الجهد البشري. كما أن معدات الحصاد تسهل العمل وتمكن من تسريع وتيرة الحصاد وخفض اليد العاملة. هذا النوع كثير الاستخدام في آسيا وبعض الدول الافريقية.
4) التسييج والرقابة : لابد أن تتوفر آليات رقابة لكل المساحات المزروعة وتسييجها وحمايتها من كل الحيوانات السائبة. فهل وفرت الادارات مركبات لدوريات الحماية ومتطلبات السياج وغير ذلك كاستخدام الآلات الطائرة مثل ادرون او المنبهات و أجهزة الانذار المستشعرة للحركة عند اقتراب المواشي او السياج المكهرب الذي يستخدم في المراعي او حتى الكلاب المدربة ودوريات على الماشية.
5) الحماية من الآفات والطيور : كثيرة هي الحشرات والفطريات التي تصيب النبات والمحاصيل، مما يتطلب اعتماد وتوفير الأدوية المناسبة ومعدات مكافحة الطيور وتكوين المزارعين على طرق الاستخدام. وقد يتطلب الأمر إنشاء هيئة تشاركية لمعالجة الأمراض ومكافحة الطيور وغيرها.
6) التخزين : كان من الضروري إقامة مخازن وحماية المنتج من الحشرات بسعة كافية لفترة تمكن من بقائه جيدا طيلة اشهرالاستهلاك. فهل يتطلب الأمر إنشاء مخازن على مستوى القرى المعنية ام أن مخازن مفوضية الآمن الغذائي مثلا تكفي للحفاظ على المنتج. على اية حال، لابد من التخطيط المحكم لآلية التخزين لتوفير ظروف جيدة لحفظ المنتج واستهلاكه فيما تبقى من السنة.
7) التوزيع : إن وضع آلية للتوزيع هي الكفيل الوحيد لتأمين دخل يحتاج اليه كل مزارع فقير بطبيعة وضعيته ونمط حياته. وفي هذا الإطار قد نستفيد من تجارب الماضي على مستوى الارز مثلا، أو الخضروات او حتى الأسماك. فلماذا نهمل المزارع في كل مراحل المحصول الزراعي بينما نواكب الصياد حتى تبيع المؤسسات المعنية منتوجه وتسدد له نصيب صيده من العائدات.
8) الاحصائيات والدراسات : لابد من إنشاء مكتب او تكليف جهة معينة بجمع كل البيانات والمعطيات المتعلقة بالزراعة البعلية وتنظيمها وحفظها وتحليلها ودراستها لتكون في متناول الادارات والجهات المعنية والفاعلين في المجال والمهتمين به وبالاستثمار فيه. إن غياب المعلومات والمعطيات التحليلية من جهة رسمية تشكل عائقا كبيرا في عصرنة وتطوير الزراعة البعلية وتوجيه المستثمرين إليها.
9) المخطط التوجيهي والمنظومة : من الضروري اعتماد مخطط توجيهي وطني للزراعة البعلية على الأمد المتوسط والبعيد تتبناه الجهات الحكومية وربما تطلب الأمر إنشاء وكالة وطنية مكلفة بدراسة وتحيين هذا المخطط التوجيهي والإشراف على تنفيذ برامجه بعد تدارسها والمصادقة عليها من طرف الجهات التشريعية. إن الحاجة ماسة إلى تبني رؤية مستقبلية على مدى خمس او سبع سنوات او اكثر من التخطيط والبرمجة والتنفيذ حتى يكون العمل اندماجيا على مستوى التنمية المحلية ومشاركة كل المستويات التنفيذية منها والرقابية والتنظيمية إلى غير ذلك. هذه الوكالة او الهيئة تتعدد مهامها حتى تشمل التنسيق مع الدوائر المعنية بالبنى التحتية مثل السدود والطرق والمدارس والمخازن وغيرها. كما أن دورها يمتد ليشمل التنسيق مع البرامج الهادفة إلى مكافحة الفقر وتقوية الاندماج الاقتصادي وتوسيع الدورة التنموية.
10) الإطار الاقتصادي والقانوني لتشجيع الاستثمار: ان سياسة تشجيع الإستثمار لابد أن تشمل المحفزات والسياسة الاقتصادية المشجعة للمستثمرين في الزراعة المطرية بجميع مراحلها من البداية حتى الوصول إلى المستهلك. فمثلا، قد يكون من تلك المحفزات الاعفاءات الجمركية والضريبية ودعم بعض المعدات كالطاقة الشمسية والآلات الزراعية ودعم نقل المحاصيل والتخزين ودعم مالي لإنتاج كل قنطار من الحبوب إلى غير ذلك من تعدد عوامل تشجيع العمل والإستثمار في الزراعة البعلية.
و لايسعني هنا الا أن اشيد بالاهتمام البالغ من طرف مسؤولي الإدارة الاقليمية والمنتخبين والفاعلين الذين وقفوا جميعا على كل سد وكل قرية محاولين بذلك مسايرة المزارعين في حملتهم ومصاعبهم. وليعذرني القارء العزيز في الإطالة إذ أن ثراء الموضوع ربما تطلب تأليف عدة كتب لتفصيل كل جوانبه، حيث أن مقالا لايمكن أن يبين منه إلا ما تمثل قطرة ماء من مياه البحر. لكني ارجو ان اكون قد ساهمت في لفت الانظار إلى بعض خطوطه العريضة لبناء هذا الصرح الأساسي في اقتصادنا الوطني والذي لا يقل أهمية عن التعدين الاهلي الذي ظهرت فوائده على المستوى الوطني في فترة وجيزة حتى فاقت مداخيله التعدين الصناعي. فتطوير الزراعة المطرية ستكون له انعكاسات إيجابية تعم الجميع و تنهض ببرامج الرفاه الاقتصادي والمستوى المعيشي للافراد والجماعات. حفظ الله بلادنا ورزقها من كل الثمرات.
المهندس محمد عبدالله اللهاه
هاتف : 31131284
بريد : lamoslamosla@gmail.com