أعادت عملية الفرار الثالثة لعناصر من التيار الجهادي بموريتانيا من أقدم السجون الموريتانية (السجن المركزي) قصة تأمين السجون الموريتانية إلى الواجهة من جديد، في ظل تعطيل المقترح المطروح منذ سنين، بتشكيل حرس خاص للسجون الموريتانية، وإصرار بعض الأجهزة الأمنية المعنية بالملف وأطراف في وزارة العدل على استمرار الوضعية الحالية، ناهيك عن ترهل السجون القديمة وتزايد عدد المسجونين فيها. في المربع الأمني الواقع بين قيادة جهاز الدرك بالعاصمة نواكشوط والإدارة العامة للجمارك وقصر العدل بنواكشوط الغربية، يوجد ثاني أكبر السجون الموريتانية (السجن المدني)، بطاقة استعابية تتجاوز 350 سجين، وتجري الأشغال من وقت لآخر من أجل تعزيزه، وسط تركيز مستمر من المنظمات الحقوقية والساسة على الخدمات المقدمة فيه، لكونه الوجهة الأبرز لكل سجين سياسي، أو مدان في قضايا اختلاس، أو موقوف بسبب تراكم الديون (شبيكو). كانت عملية فرار ثلاثي القاعدة الشهير (حمادة ولد محمد خيرو/ الخديم ولد السمان / ولد أحمدناه) أول عملية صادمة للأجهزة المكلفة بتأمين السجون، بعدما تمكن الثلاثي المشهور من مغادرة السجن بملابس نسائية والعبور نحو الجارة مالي، ليتوزعوا لاحقا بين كتائب السلفيين بالمنطقة (القاعدة في المغرب الإسلامي ، وأنصار الدين، والتوحيد والجهاد). ورغم ذلك لم تتخذ تدابير استثنائية دائمة بحق نشطاء الحركات المسلحة المدانين فى قضايا إرهاب أو المتابعين قضائيا، بل عادوا إلى السجن المركزي بعد فترة تربص في سجن صلاح الدين بصحراء آدرار، بفعل ضغظ المنظمات الحقوقية والأهالي وبعض السياسيين المناهضين لنظام الحكم، والظروف السيئة للسجن الذي كانت قوات الدرك تتولى تسييره أنذاك، داخل القاعدة التابعة لسلاح الجو الموريتاني، وبه انتشرت العديد من الأمراض، وظلت أزماته تتصدر السجال داخل البرلمان ومهرجانات بعض القوى السياسية داخل العاصمة نواكشوط وخارجها. وفى 2014 عاد السجين الخطير الشيخ ولد السالك (تنظيم القاعدة) ليكرر عملية الفرار من جديد، متنكرا بأزياء نسائية، واضعا الحكومة الموريتانية بشكل عام، والجهات الأمنية في موقف حرج لأكثر من ثلاثة أسابيع، قبل اعتقاله خارج البلاد (غينيا بيساو) بعد ملاحقة شاركت فيها عدة أجهزة خارجية. وقد حاولت خلية متشددة في وقت لاحق تحرير السجين السالك ولد الشيخ من سجنه بقيادة الناشط السلفي عبد الكريم أبو بكر الصديق، وتم توقيف زعيم الخلية الجهادية المذكورة من قبل جهاز أمن الدولة، وأحيل لاحقا للقضاء من أجل المتابعة في الملف المذكور، لكن من اللافت سجنه مع الشخص الذي خطط لتحريره من السجن المركزي وفي نفس القاطع، دون تفكيك الخلية التي يعتقد أنها كانت معه، ليتحول إلى مجرد ضابط اتصال مع المجموعة الملاحقة حاليا بتهمة التخطيط لعملية السجن المركزى الأخيرة. ينظر المتابعون للملف المفتوح حاليا، وقادة الأجهزة التنفيذية المكلفة بمراجعة وضعية السجون إلى الأوضاع التي قادت إلى عملية الفرار الأخيرة بقدر كبير من الإستغراب، إذ أن السجن تحول بحسب مصادر متطابقة إلى إدارة عمومية تضج بالحركة اليومية، وبات بعض السجناء يتصرف بأريحية كبيرة، مع تدافع للمسؤولية بين الإدارة والحرس، حول بعض الأمور الغريبة (كالسماح بدخول الثلاجات والتلفزيونات ومظاهر البذخ، والتردد اليومي لعشرات الزوار على بعض المدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب). وتزداد الحيرة، حينما يؤكد رجال إنفاذ القانون بأن السلاح المستخدم في العملية الأخيرة تم إدخاله للسجن في ثلاجة كانت موجهة لسجين مدلل، رغم خطورة التهم الملاحق فيها، وغياب متابعة أمنية لما يجري داخل غرف السجناء من تدبير وتخطيط وتجهيز. ويزداد الغموض حينما تثار أخطاء أمنية أخرى كبيرة لها تأثير مباشر على عملية تأمين السجون وعملية الفرار الأخيرة، لاتزال محل بحث وتأكيد واستفسار من قبل الجهات المكلفة بالتحقيق حاليا. كما أن عملية التفاوض مع السجناء الأخيرة ربما كانت فرصة لخروج البعض دون اقتناع بالتراجع عن رأيه، حيث تشتبه الأجهزة الأمنية حاليا فى دور ما لأثنين ممن خرجوا في عملية الإفراج الأخيرة عن السجناء المشاركين في الحوار مع السلطة (أبو أنس والأمير)، رغم أن أحد الذين أفرج عنهم لم يوقع بيان المطالبة بالحوار ولم يعلن تخليه عن الفكر المتشدد علنا في البيان المنسوب لسجناء التيار السلفي بموريتانيا والمنشور في وسائل الإعلام الموريتانية. قبل سنوات أحيلت إدارة السجون إلى أحد رموز وزارة العدل الموريتانية (مدير المصادر البشرية)، وأعيد ترتيب السجون بشكل أفضل، غير أن الخلاف الذي شب سريعا بين الوزير ومدير السجون، والصراع على النفوذ أطاح بإدارة السجون خارج مجالها، وتوقفت حركة تطوير السجون، وأجهض مقترح الإدارة بشأن آلية ضبط السجون وتوزيع السجناء والتعامل مع الحالات المعقدة بمنطق الحوار، واستخدام بعض السجناء لتسيير وضبط المنشآت من الداخل، وتحييد السجناء المصنفين كخطر عن بقية المتابعين في قضايا عادية، وهو ماعطل مقترحا كان قيد التنفيذ، بتخصيص جناح خاص للسجناء السلفيين بسجن أنبيكه، ذي الطبيعة الأمنية الخاصة، الواقع وسط البلاد (مقاطعة المجرية). ومع ذلك ستفتح دون شك مجمل الملفات المطروحة بعد انتهاء العملية الجارية، وسيعلن عن إجراءات جديدة وعميقة لتفادي بعض الأخطاء في المستقبل، وإبعاد شبخ الخوف من عمليات مفاجئة للقاعدة وأخواتها، بعد 12 سنة من الأمان وتحييد البلاد عن مخاطر هزت دولا عريقة وشقيقه بالمنطقة خلال العقود الأخيرة. #زهرة_شنقيط