عرفت معظم مؤسسات التعليم في البلد عموما خلال العقدين الماضيين موجة من التسيب انعكس سلبا على العملية التعليمية برمتها، مما تجسد في ضعف أدائها وتراجع كيفيتها، حتى صارت تلك المؤسسات ــ في كثير منها ــ مصدرا مغذيا للدعارة ووكرا لتعاطي المخدرات، وهم ما يرجع بالأساس إلى ضعف الرقابة وقلة الرعاية التي يشترك فيه آباء التلاميذ والقائمون على تلك المؤسات من طاقم تدريسي وإداري، وإن كانت الدولة تتحمل جزأه الأكبر؛ بكونها المسؤول الأول عن توفير الوسائل الضرورية لتأمين الحرم المدرسي وما يحتاجه القائمون على تلك المؤسسات من مستلزمات يتطلبها العمل وأداؤه على الوجه الأكمل.
ولم تكن إعدادية تكنت استثناء من تلك المؤسسات لاعتبارات عدة أهمها، الموقع الجغرافي القريب من العاصمة، وكونها معبرا شبه حدودي بالإضافة إلى مناخها المُميز الذي يجعلها قبلة للباحثين عن الراحة والمناخ شبه المعتدل، حيث نالت هي الأخرى نصيبها من التسيب والإهمال ونال معظم طلابها حظهم من الفشل والتسرب والفساد الأخلاقي والديني، رغم جهود القائمين عليها والسلطات الإدارية في الحد من ذلك، إلى أن جاء المدير محمد أحيد ولد سيد محمد الذي شكل طوق نجاة لهذه الإعدادية حيث وضع حدا لما كانت تعيشه المؤسسة من تسيب وتسرب وفوضى، لكن كما يقول القائل:
لقد ضاع وجْد حل في غير أهله وضاع جمال لا تراه الأجانب
فجاء المدير الجديد بمنهجه القديم ورؤية الإصلاحية التي لم تلامس هوى في نفس يعقوب ولم يعرفها الأهل ولا من تبوؤا الدار من قبل، لا يخشى في تطبيق ذلك بأسا من قوى الدولة ولا رهقا من أهلها، حينها اصطدم المدير الجديد بالطاقم القديم، خصوصا حين أراد أن يطبق بالحرف ما تنص عليه القوانين المنظمة لذلك وما يمليه الضمير وما يبرئ الذمة، وكل ذلك كان في مصلحة المؤسسة وسمعتها والتلاميذ ومستقبلهم، فبدأ منذ اليوم الأول بتنظيم الطاقم التدريسي، قبل أن يتوجه للتلاميذ ويطرد الأجرب والجرباء ويبقى السليم منهم.
فما ينفع الجرباء قرب صحيحة إليها ولكن الصحيحة تجرب
حينها صارت المؤسسة مثالا يحتذى [إدارة وأداء وكيفا...] في جميع الأصعدة وعلى جميع المستويات، لكن المبدأ الذي كان المدير الجديد وهو مبدأ "أن الناس سواسية أمام القانون" وقوي الناس وضعيفهم ومن له جاه ومن ليس له عنده سواء، الشيء المخالف لعادات وأعراف "أهل لخيام" والمرفوض عندهم جملة وتفصيلا، حيث ظل يتصرف حسب اجتهاده وما يمليه القانون، رافضا إملاء الغير ومنا شدة البعض، سواء كانت رسمية أو غير رسمية.
وكانت متابعة المدير تعليق رواتب أربعة من طاقمه في المؤسسة وكشفه عن مستور ومتستر عليه بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فبدل أن يكافأ من الجهات المعنية عوقب بإبعاده جغرافيا عن تكنت، وهو أمر غير مستغرب حين يسود مبدأ الشخص المناسب في المكان الغير مناسب، ليرُحَل إلى مكان ظنوه غير مناسب، فكان بلدة طيبة، وأهله رُحماء، قبل أن يحول ثانية مطلع هذا العام إلى مكان آخر أهله "يحبون من هاجر إليهم..."
وتخسر إعدادية تكنت رجلا نادرا كفاءة ومهنية، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، ولا شك أن الخلف إن لم يكن قد سار على نهج السلف في إدارة تلك المؤسسة فإن مستقبل أبناء تكنت على أعناق من رحلوه وإن كانوا هم الراحلون عنه كما يقول المتنبي:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون هم.
ورغم كوني من أبناء تكند ولم ألتق بهذا الرجل إطلاقا حينها، إلا أنني أدركت حين رأيته في إعدادية سيلبابي3 مطلع هذا العام ، صدق ما كانت تخبرنا به الركبان
حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري
حيث كانت هذه المؤسسة ربما المؤسسة الوحيدة في الولاية التي بدأت فيه الدراسة بانتظام منذ اليوم الأول وربما كذلك لأول مرة في تاريخها.
وهو نهج يبدوا أنه طبيعة الرجل حيث ما حل وارتحل
فما لاحظنا كطاقم إلا الجدية والتفاني في العمل والحث على مراعاة تحمل المسؤولية وأداء الأمانة وتأدية الواجب على الوجه الأكمل، فهو المدير في الإدارة والمراقب في الساحة والبواب عند مدخل المؤسسة ما شاء الله لا قوة إلا بالله، دون أن نلاحظ حيفا أو تجاوزا قانونيا أو شرعيا، وهذا طبعا إن كان في صالح التلاميذ فقد يكون على حساب راحة الأساتذة والطاقم الإداري، لكنه يبقى مدرسة لتكوين الذات وقدوة دينية وإدارية في إدارة المؤسسات يحتاج البلد إلى أمثاله حين يقيض الله لهذا البلد بطانة صالحة تكون عوْنا لرئيس الجمهورية وزيره المكلف بإصلاح النظام التعليمي قولا وعملا، فالتطبيق يحتاج أمورا ضمن أخرى من أهمها، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا إصلاح إلا إذا كان العمل جماعيا والكل مؤمن به، وإلا تبقى جهود الدولة في الإصلاح شعارا لا وجود له على أرض الواقع، وذلك لن يتأتى في اعتقادي قبل التخلص من بطانة السوء ممن فشلوا في تقديم الدرس أمام طلابهم أو من قضوا أعمارهم بين أروقة الوزارة، وتبديلهم بجيل آخر أكثر خبرة وأقوى عطاءا، ويحصل كل ذي حق على حقه، مع لابتعاد ـ دون حق ـ عن المحسوبية والزبونية في تسيير إدارة مؤسسات التعليم بشكل عام وموارده البشرية.
وما شهدنا إلا بما علمنا، ولله لا مر من قبل ومن بعد.
كتبه عبد ربه الغني به محمد بن الشيخ البدوي أحد الطواقم التدريسية بالمؤسسة
بتاريخ: 30 ربيع الأول/ 1445هـ الموافق 15/ 10/ 2023م