أبرز رسائل الرئيس فى الذكرى الثالثة والستين لعيد الإستقلال (*)

شكلت المقابلات الأخيرة لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى إطلالة إعلامية متكاملة (داخليا وخارجيا) لإعطاء صورة عن الواقع العام داخل البلاد، والجوار الإفريقى، والعالم المتخم بالحروب والمشاكل الإقتصادية وصراع المحاور، مع تحديد أولويات الرئيس الداخلية بعد أربع سنوات من تسييره للبلاد، وتوضيح رؤيته للأوضاع الإقليميمة، وخياراته الخارجية، ومواقفه الثابتة من قضايا الأمة والصراع الأبدى مع قوى الشر والتطرف والإرهاب العابر للزمان والمكان.


 

لقد كانت الخرجة الأولى مع احدى الصحف الفرنسية ذات الإنتشار الواسع، وفى لحظة حرجة من تاريخ المنطقة (الصراع المتفوح بين النخب السياسية والعسكرية وصراع المحاور) بينما أختار ديوانه أن تكون الخرجة الثانية مخصصة للشأن المحلى ، مع عدد من كبرى الصحف والمواقع المحلية، ذات الإنتشار الواسع ، والإستقلالية فى الطرح، والنفس المعارض لبعضها على الأقل، لتكون الرؤية متناغمة مع كل الأسئلة المطروحة فى الساحة المحلية دون توجيه أو انتقاء أو ضغط أو مصادرة.

 

وقد تمكن الرئيس خلال المقابلة الأخيرة من رسم ملامح واضحة لشكل الحكامة الذى يريده، ونمط التعامل المختلف مع الكادر البشري الذى يتولى تسييره، وأبرز بلغة الأرقام ماتحقق فى مجال محاربة الفساد، ليقول لمنتقديه بأن الجهل بما يجرى هو سر المواقف الغريبة، أو المزايدة على الحاكم دون النظر فى مآلات الأمور، والإجراءات المقام بها لصالح محاربة الفساد غير مسبوقة ، والشعار هو ماقاله بمنطق الواثق من نفسه للصحفيين بأنه " يستطيع أن يؤكد أنه لم يصله تقرير نهائي عن أي مؤسسة بتوصيات محددة إلا واتخذ القرار المناسب على الفور، عقوبة إدارية كانت أو قانونية أو تقنينا". وأي إجراء تريد الأطراف الأخرى غير ذلك؟ وهل من مثال يمكن عرضه على حمايةالمفسدين ورعاية الفساد؟ لقد ولى بالفعل زمن الإنتقائية، ولكن فى المقابل تدار الأمور بمنطق المؤسسات بعيدا عن الغوغائية والتشهير بالناس كما قال رئيس الجمهورية بأنه أوصى أن تتم المحاسبة  " أن يتم ذلك من دون تشهير، وبعيدا عن الاستغلال الإعلامي". إنها خدمة للجمهورية، وليست مزايدة من أجل كسب الأصوات فى بعض مراحل العملية السياسية، أو جمع الجمهور خلف البطل المفترض، للتغطية على فشل فى التسيير أو سوء تصرف فى المال العام...

لقد تعامل الرئيس مع ملف الفساد وفق ما ظلت تطالب به النخبة السياسية  وهو " انتهاج مقاربة جديدة في مجال محاربة الفساد تقوم على المؤسسية والصرامة والاستمرارية، مع الحرص على ألا تكون محاربة الفساد هي نفسها فسادا يتم في إطاره تصفية الحسابات مع البعض وحماية البعض الآخر والتستر والتعمية على فساد أكثر ضررا في مواقع خاصة".

 

الحاكم يحكم بمن يراه مناسبا لتدبير الأمور

وقد أختار رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى مواجهة السيل الجارف من الإنتقادات غير المؤسسة، حول ظاهرة "تدوير" المسؤولين، ومساعى البعض – غير المفهومة- لرسم خارطة البيانات المتاحة لصاحب القرار الأول فى البلد والنكير عليه بأشد العبارات إذا قرر حسم الأمور، وفق منطق العقل والمصلحة العامة والعدالة – غير الإنتقائية- كلما رأي حاجة للإستعانة ببعض داعميه أو معارضيه السابقين. وقد حسم الرئيس المعركة الإعلامية والتشهير المستمر بالقول " التعيين يخضع لمعايير فنية ومهنية تأخذ بعين الاعتبار حاجات المرافق العمومية في مجال المصادر البشرية، والخبرة ميزة وليست نقيصة، ومن لم تمنعه موانع قانونية سنستفيد من خبرته وتجربته دون تردد"..

 

لغة الأرقام والإنجاز والملموس

 

وحينما تعلق الأمر بالمنجزات على الأرض، وطرحت قضايا البنية التحتية من قبل البعض، تحدث رئيس الجمهورية بشكل واضح، مستعرضا أسماء المشاريع والأرقام من موقع المطلع المتابع بدقة لما يجري، قائلا " على سبيل المثال لا الحصر وفيما يتعلق بالبنى التحتية الإدارية، فقد تم اكتمال الأشغال في مباني الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري ومجمعين وزاريين و12 مجلسا جهويا وبنى تحتية مهمة في قطاع العدالة.

 

وعلى مستوى قطاع التعليم، فقد تم إطلاق برنامج واسع يهدف إلى بناء 3600 فصل دراسي من بينها 2300 فصل انتهى العمل فيها. ويجري العمل الآن على بناء مؤسسات للتعليم العالي كالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، والمركب الجامعي الجديد الذي يتسع لأكثر من 11 ألف طالب وهو ما سيزيد الطاقة الاستيعابية للجامعة لتصل 25 ألف طالب، والمدرسة العليا للتجارة، والمعهد العالي للرقمنة ومدرسة التكوين المهني والفني في مجالات الطاقة والبترول والغاز، وتوسعة المعهد العالي للتعليم التكنولوجي. كما تم بناء وتجهيز مدرسة التعليم التقني والتكوين المهني للبناء والاشغال العمومية بالرياض. 

 

وعلى مستوي قطاع الصحة، فقد اكتمل بناء مستشفى سيلبابي بسعة 150 سريرا، كما اكتمل بناء 20 مركزا صحيا بالداخل، و28 نقطة صحية. كما أن الأشغال متقدمة في بناء مستشفيات ألاك والعيون وتجكجة، وفي توسعة وتجهيز مركز الاستطباب الوطني وتوسعة وتجهيز المركز الوطني للتخصصات.

 

وفي مجال الطرق، تم إنجاز وإعادة تأهيل 700 كلم من الطرق وتتقدم الأشغال في 1450 كلم أخرى. كما يجري العمل في 3 جسور تشيد لأول مرة في العاصمة نواكشوط (جسر باماكو، جسر الحي الساكن وجسر كارفور مدريد). كما أن الأشغال متقدمة في الجسر الذي سيربط موريتانيا والسنغال.

 

الإنجاز لا التزوير

 

وحول ملف الإنتخابات التشريعية والبلدية والجهوية، وعجز بعض النخب السياسية والإعلامية عن تفسير الإكتساح الباهر الذى حققته اللوائح المحسوبة على الحزب الحاكم (أقرب الأحزاب السياسية للرئيس) أختار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى أن يذكر القارئ ببعض الأمور.

ولعل أبرز النقاط الأساسية هو وجود لجنة تشاركية من كل الأطراف السياسية فى البلد، تم تعيينها من بين قوائم أختارتها الأحزاب السياسية بمحض إرادتها دون توجيه أو ضغط وإكراه، والحزب الحاكم ممثل فى اللجنة كغيره من الأحزاب السياسية المعارضة.

لكن مكمن الخلل الذى لم يستوعبه البعض هو وجود منجز على الأرض يسند بعض المرشحين، ونزع فتيل أزمات كانت مصدر إنتعاش للبعض الآخر. فلا إستهداف ولامظالم ولا إقصاء ولاتهميش، وخطاب المظلومية ودعته البلاد مع تنصيب الرئيس فاتح أغست 2019 ، ولم يعد من بين الأمور المجدية فى أي استحقاق داخلى، بل المعيار هو الكفاءة ووضوح الخطاب، والإنجاز على الأرض.

وقد أختار رئيس الجمهورية أن يذكر محاوريه بأن الشعب منحه الثقة فى انتخابات يونيو 2019 وعززها بكل جدارة فى أول استحقاق أقيم فى البلد، تحت وصاية لجنة مستقلة للإنتخابات وذلك عبر نقاط لاناقش فيها اليوم غير مكابر :

- تنفيذ نموذج التنمية ذي الطابع الاجتماعي، والذي قررت الانحياز من خلاله للشرائح الأكثر فقرا وهشاشة، 

- تعزيز اللحمة الاجتماعية من خلال استراتيجية التآزر ومكافحة الإقصاء ومن خلال إطلاق المدرسة الجمهورية التي يدرس فيها كل أطفالنا نفس البرنامج وتحت نفس السقف وأمام نفس المدرس وبنفس الزي،

- تعزيز جو التهدئة والتشاور والاحترام الذي أرسيناه مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين،

- السعي إلى رفع المظالم وإنصاف كل من تضرر من ظلم تم التثبت منه،

- العمل على كل ما من شأنه تعزيز وترسيخ المؤسسية ومنح واحترام صلاحيات كل حلقات الإدارة،

- إدخال الرقمنة في الممارسة الإدارية اليومية من أجل تبسيط الإجراءات وتحسين الخدمة وضمان الشفافية،

- إيلاء أهمية قصوى لحفظ أمن المواطن وسكينته والدفاع عن الحوزة الترابية للبلد،

- تقوية حضور بلدنا في المحافل الدولية وتعزيز الدور المحوري لنا في المنطقة.

 

 وليس هذا فحسب، بل إن رئيس الجمهورية أختار تذكير محاوريه أيضا بتعاطيه غير المسبوق مع جائحة كوفيد 19 التى هزت العالم ككل ، وذلك عبر اتخاذ تدابير نوعية أهمها :

 - تمويل برنامج واسع لاقتناء التجهيزات الصحية والأدوية الضرورية للتكفل بالمرضى،

- إنشاء الصندوق الخاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة كورونا

- إطلاق برنامج واسع للتحويلات المالية شمل 396 ألف أسرة،

- التكفل بفاتورة الماء للأسر الفقيرة في نواكشوط لمدة شهرين، وفي الوسط الريفي طيلة السنة. واستفاد من هذا التكفل 2055 تجمعا قرويا، و192 ألف أسرة في الوسط الحضري،

- الإعفاءات الضريبية لبعض الأنشطة الاقتصادية، (القطاع غير المصنف) وللمواد الغذائية الأساسية،

- دعم بعض الشرائح الهشة الأخرى من خلال: مضاعفة تعويضات التقاعد، التكفل بمرضى السرطان ومرضى الفشل الكلوي وصرف إعانات شهرية لصالحهم،

- التكفل بالتأمين الصحي لـ620 ألف شخص،

- المحافظة على تموين البلد بالمواد الأساسية والطبية طيلة مراحل الجائحة.

 

المستقبل المنظور

 

ولم يكتف رئيس الجمهورية باستعراض المنجز خلال السنوات الماضية، أو تعاطيه الأخلاقى مع النخب السياسية، أو الثقة التي يحظى بها من قبل الجمهور، بل كشف عن مشاريع نوعية وتخصيص موارد مالية معتبرة للرفع من مستوى المعيشة بموريتانيا، وتعزيز البنية التحتية. حيث خاطب الرئيس محاوريه قائلا " يجري العمل حاليا في أكثر من 140 مشروعا استثماريا كبيرا كلفة إنجازها تزيد على 500 مليار أوقية قديمة، ومن المتوقع أن تنتهي الأشغال في ثلثها قبل نهاية شهر إبريل المقبل".

 

فلسطين تجمعنا ..

وحول الموقف الموريتاني من الإبادة الجماعية بغزة قال رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني " لموقف في قمة الوضوح، فموريتانيا قيادة وشعبا مع حق الشعب الفلسطيني الشقيق في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، والمبادرة العربية. نتضامن مع هذا الشعب الذي يتعرض لأبشع أنواع الإبادة والتهجير على مرأى ومسمع من العالم، وقد عبرت عن ذلك في وقته وفي أكثر من مناسبة. نتحرك في كل الدوائر الدبلوماسية من أجل الوقف الفوري لهذه الحرب المجنونة ومن أجل إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة ودعم كل الجهود الرامية إلى إطلاق ديناميكية جديدة وجدية للسلام تفضي في أسرع وقت لحل دائم يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ينعم فيها الشعب الفلسطيني بالأمن.

 

متابعة زهرة شنقيط