بعد 9 سنوات من الغياب ؛ ولد محم إلى أطار لإستقبال الرئيس .. هل أزفت لحظة المراجعة والتغيير؟
حينما قرر دخول الصراع السياسى داخل عاصمة الشمال (2006) كان المحامى البارز سيدى محمد ولد محم وابن مدينة أطار الحالم بالتموقع داخل المنظومة السياسية بآدرار يدرك صعوبة المهمة ، وقوة الخصم المحلى المنافس فى أول استحقاق يخوضه (أحمد ولد سيدي بابه) الوزير السابق وصاحب العلاقة القوية بدوائر التأثير ساعتها (المجلس العسكرى للعدالة والديمقراطية) ، ناهيك عن حضور أهل المال من محيطه العائلي فى عالم السياسى (أهل عبد الله وأهل أنويقط) والحضور الطاغي لأبناء المجموعات المحيطه ببلدية أطار داخل المؤسسة العسكرية والأمنية والمؤسسات الخدمية (الجيش والحرس والدرك والحماية المدنية وشركتي الكهرباء والمياه) ، بعدما مكن العقيد الراحل معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع لأبرز المحيطين به فى الدوائر الخدمية والتنفيذية بالبلد.
خاض ولد محم أولى معاركه المحلية من أجل دخول أول برلمان ممثلا لعاصمة الشمال ومركز النفوذ فيه، وفعلا كان له ما أراد، حيث تمكن من العبور نحو قبة البرلمان فى الشوط الثانى ، رغم إكراهات القانون المفروض ساعتها من قبل المجلس العسكرى (رجل وسيدة عن كل عاصمة ولاية) ، وصعوبة إقناع المجموعات القبلية المحيطة أو الشريكة بأن تقبل بتمثيل النساء لها فى معادلة لاتحتمل غير وجود رجل واحد عن مقاطعة بالكامل.
لم تعمر علاقة النائب سيدي محمد ولد محم والسلطة القائمة أكثر من أشهر، وكان تعيين منافسه فى القصر كمستشار من قبل الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لقد تحول ولد محم من نائب تصدر الجهود الرامية إلى فوز المرشح سيد ولد الشيخ عبد الله إلى معارض للرئيس من داخل الأغلبية، ليتصدر لاحقا مساعي حجب الثقة عن حكومة الرئيس، غير مكترث بالتهديد العلني لرئيس الجمهورية من مكان إقامته بمدريد، حيث رد فى مؤتمر صحفي شهير بأن التهديد بحل البرلمان لا يخيف صاحب حق، ومن أنتخبونى ذات يوم بأطار لم تسجل فى صفوفهم حالة وفاة، وقادر على العودة من جديد للجمعية الوطنية لأقول لكم بكل وضوح أننى لن أقبل بحال من الأحوال تدمير البلد، أو العبث بمصير الأغلبية التى أوصلتكم سيادة الرئيس إلي السلطة 2007.
أطيح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008 وأستمر النائب سيدي محمد ولد محم فى منصبه نائبا بالجمعية الوطنية ورئيسا لمحكمة العدل السامية، ولم يحظ بأي منصب وزارى طيلة المأمورية الأولى من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، رغم تصدره لكل المعارك الإعلامية والسياسية خلال فترة حكمه، وتعاطيه بمنطق رجل الدولة مع المعارك الاقتصادية والأمنية التى فتحها الرئيس مع أبرز المقربين منه اجتماعيا، ولكن ظلت دوائر التأثير المحيطة بالرئيس تمنعه من أي حضور داخل المنظومة التنفيذية خلال المأمورية الأولي.
وفى سنة 2013 قرر العودة من جديد لمقاطعة أطار لخوض معركة التمثيل من جديد (2013) عن حزب الإتحاد من أجل الحاكم بموريتانيا، وهي معركة كانت فيها المستقلة للإنتخابات بموريتانيا جد مرتبكة بفعل تضارب مصالح القوى المالية والحزبية وعدم وضوح رؤية صانع القرار فى مايتعلق بنيابيات أطار.
تمكن النائب سيدي محمد ولد محم مع نهاية الشوط الثالث فى أطار من حسم معركة التمثيل بشكل نهائي، وهو تمثيل أنتزع بقوة المراسيم الرئاسية لاحقا، حينما قرر الرئيس محمد ولد عبد العزيز تعيين ولد محم فى منصب وزاري داخل حكومة الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف، وبعد ستة أشهر قسم القطاع إلى نصفين، ومنح الوزير سيدي محمد ولد محم عطلة مفتوحة من العمل الحكومى والبرلماني إلى إشعار جديد.
أعاد الوزير سيدى محمد ولد محم التموقع من جديد فى هرم السلطة السياسية كنائب لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، قبل أن يقود الحزب لاحقا (2014)، ومع نهاية 2018 تمكن ولد محم هذه المرة من حسم معادلة الصراع داخل المدينة؛ فرغم أن الرجل دخل البرلمان مرتين قبل قيادة الحزب ، إلا أنه هذه المرة غاب عن مدينة أطار ولم يرشح فى اللوائح الوطنية للحزب، لكنه لم يقبل بأن تحسم معادلة الحضور فى أطار لصالح منافسيه التقليديين، فقرر قلب الطاولة علي التوازنات التقليدية بعاصمة آدرار ، وخرجت حاضنته الاجتماعية من صراع الفرقاء على التمثيل النيابي، مكتفيا بقيادة الجبهة وعمدة المدينة، وهو منطق شراكة أثمر تماسك القوى المحلية من حوله، ومنحه فرصة العبور بالحزب من الشوط الأول فى تاريخ الانتخابات البرلمانية بموريتانيا ،بينما تعثرت دوائر أخري كان ينظر إليها كمراكز للثقل الإنتخابى للمخزن الحاكم.
عاد ولد عبد العزيز لرفع الحصار المفروض بقوة الدولة عن أبرز رموز الأغلبية وأحد سدنة العمل السياسى بالشمال، فكان تعيين الوزير سيدي محمد ولد محم وزيرا للثقافة مع قيادة الحزب، قبل أن يقرر الرئيس إجبار الحزب على عقد مؤتمر طارئ فى لحظة كانت فيها أنظار القيادة متجهة صوب استحقاق مهم ، بشر به الوزير ولد محم الرأي العام لأول مرة، وهو حسم معركة الرئاسيات لصالح مرشح الأغلبية وزير الدفاع ساعتها الفريق الركن محمد ولد الشيخ الغزواني.
انعقد مؤتمر الحزب الحاكم كما هو مخطط له ، دون أجندة واضحة لدى المشاركين فيه، وأكتفى رعاة المؤتمر بإبعاد الوزير ولد محم من قيادة الحزب، واختيار 22 شخصا لتسيير رئاسة الحزب خلفا له، بينما أبقي على المكتب التنفيذي والمجلس الوطني والمنظمات الموازية (النساء والشباب) والشعار والإسم والمقر والحراس.
رفض ولد عبد العزيز - وهو الرئيس الممسك بزمام الأمور - إشراك رئيس الحزب الحاكم والوزير فى الحكومة سيدي محمد ولد محم فى الجهود المحضرة لحملة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وأكتفى الأخير بدعم صديقه من خارج منظومة الحزب الذي قاد وأعاد تفعيله وعزز وجوده داخل مجمل الدوائر المحلية علي مدي أربع سنين، رغم المعارك الجانبية والرسائل السلبية للحزب من الرجل الذي أختير لقيادته الشرفية وكان أول المنتسبين إليه، بعد معركة داخلية رفع فيها شعار الإصلاح وإعادة التفعيل.
لم تعمر العلاقة بعد المؤتمر طويلا بين ولد محم وولد عبد العزيز ، فقد غادر الوزير سيد محمد ولد محم الحكومة مستقبلا منها فى وضح النهار ، ولم يستمع لصيحات التحذير الصادرة من كل الأطراف المحيطة به، لقد قرر وهو على رأس قطاع الثقافة أن يضع حدا للعلاقة بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وأن يخرج بحربهما المخفية إلى العلن، بعدما ظل يحاول مواجهة النيران الصديقة ، وهو يتقمص دور الحليف السعيد.
لم يتردد الوزير سيدي محمد ولد محم فى دعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فى مساعيه الرامية إلي توطيد أركان حكمه، ومواجهة الحرب المفروضة عليه من بعض دوائر النفوذ السابقة بموريتانيا بعد وصوله للسلطة 2019.
عاش الوزير سيد محمد ولد محم مجمل المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني معتكفا بين محراب هاتفه وبيته، ينافح عن الرئيس الذي بشر الموريتانيين بحكمه، ودعمه وهو فى السلطة كوزير إلي جانبه، ولم تمنعه إجراءات سلفه من الذهاب إلي مسقط رأسه للتأكيد علي موقفه الثابت منه، وتعبئة الناخبين للتصويت له.
وقبل أشهر قليلة تم اختياره من قبل الرئيس لتسيير إحدى دوائر المال والتأثير (ميناء نواكشوط المستقل) وهو إجراء يعكس حجم الثقة بين الرجلين، رغم أن شخصية سياسية بحجم الوزير سيدي محمد ولد محم يستحيل حصر دورها داخل المنظومة التنفيذية، فى مؤسسة جل دورها ضبط العلاقة بين ناقل ومنقول إليه ووسيط.
اليوم يعود ولد محم إلى آدرار قبل أيام من وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لإعادة تشبيك العلاقة بالمحيط الذي تربي فيه وأختاره لاحقا لتمثيله خلال نظامين مختلفين، يحدوه الأمل فى الخروج بالمقاطعة من الوضعية المختلة قبل الإنتخابات الرئاسية، واضعا نصب عينه نتائج الانتخابات الأخيرة وماحصلت من خلافات سياسية بين مجمل الفرقاء لغياب الشخصية القادرة علي جمع شتات النخب المحلية، ومستذكرا بألم نتائج بعض مكاتب التصويت سنة 2019 والتي لم تك منصفة للحلم الذي بشر به، بفعل غياب التأطير ، وثقافة الإلتحام بالجماهير، والقدرة علي التعايش مع سكان الريف فى الأدغال. وسياسة الباب المفتوح لكل صاحب حاجة أو راغب فى التشاور والتنسيق.
#زهرة_شنقيط
#تابعونا