الحديث عن تساهل النظام الحالي في محاربة الفساد، حديث مبالغ فيه، واستغلال سياسي فج لعواطف العامة، تكذبه الوقائع والإجراءات القانونية والفنية التي اتخذها هذا النظام للوقاية من الفساد، ومعالجته بعد حصوله، ولفرض الشفافية، وترشيد الإنفاق العمومي، مثل:
▪︎ تفعيل دور الأجهزة الرقابية، ورفع المكانة المؤسسية للمفتشية العامة للدولة بنقل تبعيتها لرئاسة الجمهورية.
▪︎ تكثيف التفتيش خلال الفترة الأخيرة..
▪︎ تحسين الإطار القانوني المتمثل في القانون رقم: 024/ 2021 الصادر بتاريخ: 29 دجمبر 2021، المتضمن مدونة الصفقات العمومية؛ والنصوص التنظيمية المطبقة له؛ حيث أنشئت بموجب هذا القانون ثلاثة أجهزة معنية بالصفقات تتسم باستقلالية كل منها عن الآخر، مع تكامل المهام المنطوطة بكل جهاز بهدف منع وتدارك التجاوز الذي قد يحصل على مستوى أحد الأجهزة في إحدى مراحل إبرام الصفقات...
▪︎ التحسين المستمر لاستغلال التكنلوجيا في مجال التسيير المالي وهو ما مكن من إيقاف وتصحيح ومنع تكرار كثير من التجاوزات المالية التي شكلت لسنوات عديدة أحد أخطر أبواب الفساد، وفي هذا الإطار، يدخل تعميم معالي وزير المالية الجديدُ الذي ألزم بموجبه الجهات المعنية بتسجيل كل صفقة مع كافة البيانات المتعلقة بها في نظام "رشاد"، مع إجراءات رقمية أخرى خاصة بتسيير التمويلات الخارجية، تمكن من متابعتها، وذلك قبل التصديق على أي تعهد وقبل تسديد أية نفقة...
صحيح أن:
1- طريقة محاربة هذا النظام للفساد، تتسم بالهدوء وبالبعد عن الشعاراتية والاستعراض وعن الإفراط في الاستغلال الإعلامي والسياسي، وعن التشهير، وهي طريقة لم يتعود عليها رأينا العام، وربما كان ذلك سببا في نقص التفاعل معها،وفي عدم الاقتناع بها..وفي سهولة تسفيهها وتسويق عدم جدوائيتها.
2- موضوع الفساد في هذه البلاد، وفي البلدان المشابهة لها. معقد ذو أبعاد سوسيولوجية وثقافية وبنيوية متجذرة،ومن ثم يمثل معضلة حقيقية يتطلب حلها وقتا وجهودا متعددة بتعدد الأبعاد المؤثرة في الموضوع، بما فيها البعد الجزائي والصرامة في تطبيق العقوبات، بل إن هذا البعد قد يكون أكثرها تأثيرا وحسما على طريق إنهاء تعامل المجتمع مع المال العام من زاوية"مال هوش"، وإنهاء العمل بمفهومي"النفشة" و"اتفكريش"، ومحوريتهما في التأثير على سلوك المسير.
(*) عمدة لعيون السابق