لم يتحرك لاعب المنتخب الوطنى محمد يحي دلاهى ورفاقه وحدهم داخل الملعب لأكثر من 100 دقيقة، بل تحركت قلوب الملايين فى العاصمة وخارجها طيلة ركضهم خلف الساحرة المستديرة، من أجل رسم البسمة وكتابة التاريخ وإعادة فرض تموقع البلاد بين الأمم الكروية من الباب الواسع، وإعطاء رسالة واضحة لكل الحالمين بمستقبل أفضل، بأن التغيير ممكن، وأن التضحية والإنضباط وحسن التخطيط ثلاثى يصنع الفارق فى عالم اليوم.

لقد عاشت نخب البلاد الكروية والسياسية وقطاع عريض من الشباء والنساء والشيوخ، أصعب لحظات العمر، وهم يقفون على مفترق طرق، بين مربع بائس لايريدون العودة إليه بحال من الأحوال، ومستقبل كروى زاهر يطرق أبوابه نجم المنظومة الإدارية والتنفيذية بموريتانيا أحمد ولد يحي ورفاقه منذ 11 سنة. تفتح نافذة للأمل وتغلق كل مرة، ونقترب من اللحظة وينهار الحلم مع بدايات المسار الجديد، وتتسع الآفاق وتضيق أمامنا كلما حسمنا مرحلة وبدأت بوادر أخرى تتشكل، فى لعبة تحتاج الكثير من الجهد والمال وقوة الإرادة والدعم المعنوى، لحسم موقع ما داخل صفوف النخبة الكروية، وقطع تذكرة لنادى الأقوياء.

رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى أوقف كل اتصالاته الداخلية والخارجية، وعلق أعماله داخل القصر، وجلس مبكرا أمام شاشة التلفزيون ليتابع مباراة منتخب البلاد الأول، رغم حجم الضجيج الحاصل والنظرة البائسة لدى البعض، ومعه انخرط وزراء وساسة ولاعبون كبار، وأمتلأت المقاهى بالمتابعين، وتعالت أصوات المشجعين داخل كل بيت، فالجميع منخرط فى اللعبة، ولو عن بعد، والشاشات الكبيرة كما الهواتف هي عنوان أمسية الثلاثاء الجميل بكل مناطق البلد.

يحرك ولد يحي من مقعده فى قمرة القيادة بالكاف شاشة الهاتف كل دقيقتين أو ثلاثة لمتابعة الوقت، غير مكتف بالشاشة العريضة على الملعب، وترتفع الأنظار وتنخفض فى مقاهى العاصمة انواكشوط، كلما رفع أحد اللعبين الكرة، أو حاول أحد الخصوم افتعال أزمة للحصول على خطأ، لعل الحظ يبتسم له، بعدما تمكن المنتخب الوطنى من قلب طاولة التوقعات، وسجل هدف التقدم فى بداية الشوط الأول، إنها سنن التاريخ، فمن جد وجد، ومن زرع حصد، وأشواك الطريق تؤذى، ولكنها لاتمنع المشمر من الوصول إلى مبتغاه.

خفت حركة التدوين البائس على الصفحات الذاتية لبعض المفتونين بالخارج وأهله، وأبتلع بعض الحاقدين ألسنة طالما رفعت بالسوء وجهرت بالمنكر، وبكت عيون بريئة طالما حلمت بمنجز فى بلد لم يتعود فيه الناس على الصدق فى العمل، والتضحية من أجل الغير، والتخطيط لصناعة التاريخ بهذا الشكل الجميل، وأكد ولد يحي ورفاقه قيمة الضغط المستمر من أجل تحقيق الأهداف المرسمومة 100% مهما كانت الموارد محدودة، وبيئة العمل صعبة، والخيارات المتاحة ليست بححم مايمتلك الخصوم داخل شمال القارة أو جنوبها، ولكنه الإيمان بالهدف من أول يوم، والشفافية فى الإختيار، والنظرة الإيجابية للمجتمع بكل ألوانه وجهاته، وفتح الفرص أمام المستحقين دون محاباة، وتشابك الأيدى من أجل صناعة المستقبل، بعيدا عن الضجيج البائس الذى يستثمر فيه بعض الساسة.

لم تخف الجماهير فرحتها وهي تشاهد ابن البلد الصاعد يتربع على مقعد وثير فى قمرة القيادة بالكاف (الإتحاد الإفريقى لكرة القدم)، لكن لا أحد يريد لرئيس الإتحاد الموريتانى لكرة القدم أحمد ولد يحي أن يحلق فى فضاء الكاف أو الفيفا أو الإتحاد العربى، بينما يتموقع منتخب بلاده خارج نادى الكبار فى القارة السمراء. ولا الرجل يريد ذلك أو يسعى إليه، لقد كانت قسمات وجهه طيلة المواجهة، تشى بحجم المسؤولية التى يستشعر، قبل أن ينهار لاحقا من شدة الفرح، حيث بكى كثيرا مع اللاعبين داخل ملعب السلام بعد صافرة الحكم. سلوك متوقع من مسؤول مثله .. فلا أحد مهما كان قويا يمكنه أن يتماسك وهو يشاهد بكاء الآلاف من المغتربين فى أبواكيه وأخواتها بعدما أحسوا للمرة الأولى بأن لديهم وطن، يصارع أبطاله بثقة ويفرضون أنفسهم بدون عقد ويحققون النتائج الإيجابية بهذا الشكل الممتاز.

لقد كانت ليلة جميلة بكل المقاييس، وحلما طالما راود الأمة الموريتانية منذ أن فتحت أعينها على الإنتصار فى عالم الكرة مع المكتب الحالى بقيادة أحمد ولد يحي، وتتويج لمسار من العمل المشترك، والتشاور المستمر، والدعم غير المسبوق، ففى القصر رئيس يدعم أي رؤية مسؤولة دون تحفظ، ويستمع للمشاكل المطروحة مهما كانت إنشغالاته،ويتعامل معها بعقلانية وأريحية، وإلى جانبه وزير عاقل ومدير ديوان مسؤول، يخاطب باحترام، ويدير ملفاته بأناة، ويتابع توجيهات الرئيس بحزم، ويمنح التسهيلات المطلوبة للخروج بالعاملين معه من مربع لا أحد يريد الإستمرار فيه.

لقد تحرر رئيس الإتحاد الموريتانى لكرة القدم أحمد ولد يحي خلال السنوات الأربعة الأخيرة من قبضة السلطة المنافسة، وعنه ألجمت ألسنة المسؤولين وشلت أيادى المتآمرين على مشروع كروى أختير لتسييره، وتلقى الدعم المطلوب من أصحاب القرار بصدق دون مزايد أو بهرجة إعلامية، وكان فعلا على قدر الثقة، والنتائج المتحققة فى عهدته الجديدة بحجم ما أريد لها أن تكون.

سيد أحمد ولد باب/ مدير موقع زهرة شنقيط