قبل يومٍ من تدشين مَقَرِّ بيْتِ الشِّعْر "الجديد"، تحْتَ الرعاية المُزْدوجةِ لجامعةِ أنواكشوط حاضِنَتِه، ودائرةِ الثقافةِ والإعلامِ بإمارةِ الشارقةِ راعِيتِه، اتصلَ علي الأستاذ: د/عبد الله السيد، نائب عميد كلية الآداب، ودعاني لحضور الحفْل، معتذرا عن تأخُّرِ الدَّعوة بكوْني سبقَ أنْ قلتُ له: إنِّي سأسافرُ قبْلَ هذا المَوْعِد، فاستجبتُ لرغْبَتِه، دون خوْضٍ في التفاصيل، لأنِّي بطبْعي لا أتطفَّلُ على الأنْشِطَةِ ذاتِ الصبْغةِ الرسْميةِ، التي لمْ أدْعِ إليْها، ولا أرْفضُ أيَّ دعْوةٍ، مالمْ يكنْ هناكَ سبَبٌ جِدِّيٌ(مَبْدَئيٌّ) لرفْضِها..
حضرتُ.. في الموْعد المُحدَّد مكانا وزمانا، وبعْدَ افتتاحِ الأمسية.. بدأتْ دعوةُ الشعراءِ إلى المنْبَر.. تِباعاً، حسَبَ تسَلْسُلِ الأجْيالِ، فنادوْا على الكبار، ولمَّا أعلنوا الانتقالَ إلى جيلِ الشَّبَابِ.. بدأ بعْضُ الزملاءِ يتساءلونَ: هلْ سَألقِي اليومَ، فأجبتهم: مازحًا: ما دمْتُ لم أدعَ معَ الشيوخ والكهول، فلا أظنُّ الشبابَ سيقبلوننِي، ضِمْنَهمْ، وليْتَهمْ يقبلون، لأنهم من صفْوةِ أصْدقائي، وأحبائي، ثم انطلقت التساؤلاتُ المُرْتَابَةُ عن سَبَبِ تجاهلي، منْ طرَفِ المُنَظِّمِينَ، حتَّى أنَّ أخِي العزيزَ د/ الشيخ سيد عبد الله، سألَ أخي العزيز: مُسَيَّرَ الحفْل، صاحب الخلق الرفيع، والأدب البديع، عن عدمِ وجُودي ضِمْنَ قائمةِ الشُّعَرَاءِ المُبَرْمَجِينَ في الأمْسِيةِ، فأجَابه- وهو غيرُ ظنينٍ قطْعًا- بأنَّ السبَبَ -حسَبَ ما قُدِّمَ له- فحْواه أنَّ البَرْمَجَة تمَّتْ قبْلَ التأكدِ من حُضُوري.. وهذا يعْني أن تغْييبي عن الإلقاءِ أثارَ الأسئلةَ، منذُ البدايةِ، وقرارُه اتُّخِذَ عنْ سبْقِ إصْرارٍ وتَرَصُّدٍ، وتعْليلٍ، ولمَّا أعْلمني د/الشيخ بذلك، استغربتُ- في صمْتٍ- أنْ تكونَ البرْمَجةُ نهائيةً إلى هذه الدرجَةِ، وكأنَّها أنْزِلَتْ منْ فوْقِ سبْع سماواتٍ، مُحْكَمَةً، غيرَ قابلةٍ للنسْخِ أو التغيير!
ولما كثُرَ التهامسُ حَوْلَ الموضوع -خلال استراحة صلاة المغرب- فضَّلْتُ الانسحابَ، بهُدوءٍ، فقد وفيتُ بواجب تلبية الدعوة، وخفتُ أنْ يكونَ بقائي في القاعة، وتكاثرُ الريْبِ حوْلَ تغْييبي، مَدْعَاةً لإحْراجِ المُنَظِّمِينَ، ربَّما يَتَطَلَّبُ منْهمْ تغْيِيرَ برْمَجَةِ أمْسِيتِهم "الأزَلِية"، باسْتدْراكِ إدْرَاجي ضِمْنَ الشُّعَراء المُلْقِينَ، وذلك وضْعٌ لا يُناسبني، فأنا لا أحبُّ أنْ أفْرِضَ-أو يُفْرَضَ- وجودي على أي فرْد، ولا أي مؤسسة، لا يرغبان- بصدقٍ- في مشاركتي إياهما، ولستُ حريصًا على الإلقاء، لأنَّ صوتي المتواضعَ معْروفٌ حتى لدى بعض الوفْدِ الإمَارتي الزائرِ!
غادرتُ، وانتهَي الأمْرُ بالنسبةِ لِي، غيْرَ أنَّ التساؤلاتِ ظلَّتْ.. تُلاحِقني، منْذُ ليلةِ أمْسٍ، عبْرَ الهاتفِ، والبريد الخاص، تسْتَفْسِرُني عن جَلِيةِ دواعي ذلك التصرف، كأنِّي حَفِيٌّ بها!
ورغم أنَّ مثلَ هذه التساؤلاتِ ينْبغي-في نظري- أنْ توجه إلى الفاعل، أكثر من المفعول به، فإنني، سبَق أنْ تعرضتُ لمواقفَ إقْصائيةٍ مُمَاثِلةٍ من طرَفِ بعْض المَسْؤولينَ عن الشأن الثقافي، دون أنْ أعْرفَ لها تفسيرا وجيها، يُحيلُ علَى ما يسْتدعي العدَاءَ بيْني وبيْنَ أيٍّ منهم؛ حيث لمْ أكنْ يوْمًا مُنافِسًا على الموائد والفوائد، ولا مُتَهافِتًا على المَواقِعِ والمَنَافِع، ولا أعاملُ أيَّ أحَدٍ بغيْرِ الحُسْنَى!
لكنَّني لم أكنْ أكثرَ حيْرةً -أمامَ تلك التساؤلات- مِنِّي اليوْمَ، فالدكتور: عبد الله السيد، لم يسبِقْ بيْنِي وبيْنَه إلاَّ المَوَدَّة والاحْترامَ، وهو الذي تفضَّلَ بدعْوَتي للحُضور، وهو وحْدَه الذي يعْرفُ جيدا، لماذا يدْعو شاعرا لأمسيةٍ، ثمَّ يسْتَثْنِيهِ من المشاركة مع زملائه من الشعراء! لا شَكَّ أنَّ لديْه سببًا وجيها.. أرْجُو أنْ لا يكونَ- حسَبمَا خمَّنَ بعْضُهم- توَجُّسًا من أنْ أعْلن- أمامَ الضيوفِ- على المنْبَر -لوْ أتيحَ لِي- كما أعلنت في مقال نشرته سابقا-:"أنَّ أوَّلَ بيْتٍ وُضِعَ للشِّعْر في موريتانيا هو بيتُنا" 2001!
أدي ولد آدب