منذ أن وصل الوفد الأوروبي إلى نواكشوط الشهر الماضي والدعايات المغرضة تزحم وسائل التواصل الاجتماعي وتنقل بأساليب مختلفة ووسائط متعددة ومصادر معروفة ومجهولة، أن موريتانيا باعت أرضها وأنها قبِلت أن تكون مستوطنة كبيرة للنفايات البشرية الأوروبية، فقط مقابل 200 مليون يورو..
ورغم ما يبدو من هشاشة منطق الدعاية، وتداعي أسس احتماليتها، وخفة وطيش مطْلقيها. إلا أن مدونين من فئة "الكبار" تبنوها للأسف وجالت كتاباتهم في مجموعات التواصل الاجتماعي، خصوصا مجموعات الواتساب الأهلية، القناة الأهم للوصول للمواطنين في الأعماق وكبار السن وضعَفة الإدراك السياسي والأمني.. وهذا الأمر قد يسبب إرباكا للأمن، وإرجافا في البلد.. وانعداما للثقة في الجهة الوحيدة المخولة فعلَ الشيء وترْكَه في هذا البلد: الحكومة!
يرتكز أصحاب الإشاعة، الذين يتناقص لديهم الوعي السياسي والإدراك القانوني وتنتشر فيهم الأمية، على أن أي اتفاق للهجرة يعني بالضرورة توطين المهاجرين في موريتانيا، وتَكدُّسَ هؤلاء الذين لا تنتهي بواخرهم، ما يعني أن البلد ستتغير تركيبته الديمغرافية.. وبالتالي يصبح ليبيريا الجديدة، إن لم يكون جنوب إفريقيا القديمة!
ورغم النفي الرسمي على لسان وزير النطق الحكومي والأمين العام لوزارة الداخلية، والسفير الأوروبي في نواكشوط، واعتذار الإذاعة الفرنسية الدولية عن السقطة الإخبارية وتكذيبها للشائعة،،، إلا أن الكذبة ظلت سادرة تنتقل بسلاسة من مجموعة إلى أخرى، كما يسري الموسى الحاد في الزبدة الطرية.
وبما أن الطرفين نفيا بشدة هذه الإشاعة، فإن من الجيد لحمَلة الأقلام والمدونين أن يتروَّوا قليلا لمنطَقة سيناريو البيع.. فالاتحاد الأوروبي، من جهة، ليس دولة من العالم الثالث، ولن يجيز اتفاقية دون برلمانه الذي يتهيأ لانتخابات جديدة، والذي لن يوقع على أي اتفاقية قبل بروز نصها ونشره واطلاع الرأي العام عليه، أحرى الصحافة.. فضلا عن أن موضوع الهجرة بين موريتانيا وإسبانيا فقط.. والاتحاد الأوروبي داعم لا طرف،، حتى الآن.
موريتانيا من جهتها، استخدمت أوراقها بمهنية عالية، وأدارت العلاقة في الموضوع بحِرفية متناهية.
أخذت من الأوروبيين عشرات المليارات من الأوقية، واستخلصت منهم تعهدات بدعم اللاجئين الذين يوجدون على أراضيها من مالي الشقيقة.. ولم تعط لأوروبا شيئا، فأغلب ما سيكتب في الاتفاقية هو في الأصل التزام دولي، مع إضافات بسيطة "تحلل المبالغ الأوروبية"، وهذه خطة عملت بها تركيا في عز أزمتها مع أوروبا قبل 7 سنوات وجنت منها مليارات الدولار، وهي أمور تحصل بين الدول، عبر التفاوض والتنافس.. والإشاعات الحالية وإظهار الرفض الشديد، مع حاجة الدولة للسيولة، قد يضعف موقف موريتانيا التفاوضي.. فما المانع من تحول الأوروبيين إلى نقاش الاتفاق مع إحدى دولتين مجاورتين لنا.. وشاطئيتين؟
علينا نحن المدونين، أن نثق في الحكومة، على الأقل في الجانب الاقتصادي والدبلوماسي، فنحن إما لا نفهم فيه، أو لا نعرف غير طريقة وحيدة للوصول للهدف!
مشروع اتفاق الهجرة مع الأوروبيين يستحق الإشادة والإكبار بالعقل السياسي الموريتاني، الذي جنا الثمن قبل المثمن، وساوم الأوروبيين بثقة عالية، واستخدم الأوراق التي يملكها لتحقيق أهدافه المالية والسياسية.
لو كان الأوروبيون يريدون وطنا لشذاذ الآفاق لاشتروه أيام نظام الكوميسيوه، وبيع المدارس واستئجار أملاك الدولة..
النظام الحالي، الذي قد نختلف معه أو نتفق، يسير في مجالي الاقتصاد والسياسة الدولية، بسفينة موريتانيا بروية وحنكة، لتتبوأ مكانة دولية تناسب موقعها،، وتجني من ذلك فوائد اقتصادية ترجع للمواطن البسيط في أشكال متعددة.. ومشاهدة!