قبل ثلاثة أشهر من الإقتراع الرئاسى : المعارضة تواجه أزمة مرشح مقنع
تواجه الأحزاب السياسية المعارضة أزمة غير مسبوقة قبل الإنتخابات الرئاسية المقررة نهاية يونيو 2024 ، بسبب غياب المرشح المقنع لكل الأطراف المعنية بالملف، مع تصاعد الخلاف داخل التشكيلات الأساسية داخل المنظومة المناوئة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، فى وقت تعيش فيه البلاد على وقع حراك متسارع تمهيدا للإنتخابات الرئاسية.
النائب عن حزب "جود" العيد ولد محمدن أعلن ترشحه للإنتخابات الرئاسية ، ليكون بذلك أول قيادى معارض يعلن دخوله المعترك السياسى، لكنه لايزال بحاجة للتزكية من الأحزاب الرئيسية فى البلد (حزب الإنصاف الإنصاف الحاكم / حزب تواصل المعارض/ الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم) من أجل قطع تذكرة الدخول إلى السباق الرئاسى، مع محدودية القوى الداعمة له، فى ظل غياب بعض نواب حزبه عن حفل إعلان ترشحه للإنتخابات الرئاسية، وإعلانه الدخول فى السباق الرئاسى دون انتظار المشاورات التى أطلقها حزب "تواصل" من أجل اختيار مرشح موحد للمعارضة الموريتانية.
أما المرشح السابق بيرام ولد الداه ولد أعبيدى فقد أجل إعلان ترشحه المحتمل للرئاسيات، وهو يصارع الآن من أجل حسم المعركة القضائية مع زميله فى المعارضة التقليدية محمد ولد مولود، وعينه على الحكومة صاحبة القرار الأول والأخير فى مساره نحو السباق الرئاسى، حيث لايزال النظام يرفض مد يد العون للقيادى المعارض محمد ولد مولود فى مساعيه الرامية لسجن بيرام ولد أعبيدى ، أو إجباره على الإعتذار بعد جرجرته أمام القضاء، ولايزال النظام كذلك لم يحسم بعد تزكية بيرام ولد أعبيدى كمرشح آخر للإنتخابات الرئاسية، كما فعل سلفه فى أكثر من استحقاق مع الرجل، عبر توجيه بعض العمد فى الداخل لمنحه الدعم الذى يحتاجه من أجل إكمال ملفه.
حزب "تواصل" الذى يقود المعارضة فى الوقت الراهن، ورغم امتلاكه للعمد والمستشارين المطلوبين، إلا أنه لايمتلك الشخصية القادرة على إقناع جمهور الحزب بالإنخراط فى مواجهة انتخابية مع مرشح النظام المحتمل (الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى)، ولم يتمكن من إقناع مرشح من خارج الدائرة الإسلامية لخوض انتخابات الرئاسة ممثلا للأطراف الفاعلة فى المعارضة، بفعل إحجام النخب العاملة فى الخارج غالبا عن منافسة مرشح السلطة فى مساعيه المعلنة لخلافة نفسه بنفسه، وذلك لإنعدام الأفق أمام أي مرشح جدى لفرض التغيير المنشود، مع وجود أصوات فى الحزب لاترى فى منافسة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى مكسبا يستحق التضحية بالوقت والمال، بحكم رؤيتها الإيجابية للرئيس ولفترة تسييره للبلد خلال الخمسية الحالية.
أما أحزاب "التكتل" و"قوى التقدم" و"الصواب"، فقد غاصت أقدام قادتهم فى وحل الخلافات الداخلية والبحث عن مكان داخل الساحة السياسية بعد انتخابات المجالس النيابية والبلدية والجهوية الأخيرة، وبات زعيم المعارضة التاريخى أحمد ولد داداه شبه عاجز عن تسيير حزبه، لدرجة اضطراره لعقد اجتماعات مكتبه التنفيذى فى مقار فرعية للحزب، بعدما أخذ أحد معاونيه مفتاح الحزب وغادر العاصمة لأخذ قسط من الراحة نهاية الأسبوع، غير مكترث بمواعيد الحزب ومساعى المكتب التنفيذى الرامية إلى إعادة ترميم الحزب، واختيار نواب لرئيس الحزب، وتفعيل المنظومة الداخلية لحزب يعانى من الإرتباك بفعل الفراغ الذى تعيشه بعض الدوائر الأساسية فيه، والوضع الصحى لرئيسه خلال الأشهر الأخيرة.
وأما الصواب فهو تحت رحمة الداخلية التى لاتزال تمنع أبرز القوى المشكلة له فى الوقت الراهن من مغادرة الحزب بشكل طوعى ، وذلك بعدم منحها الترخيص الذى تتطلع إليه منذ فترة (حزب الرك)، مما يضطرها للمقام فى حزب لاترى فيها ذاتها، ولاتتحدث عنه كخيار قائم ودائم، حتى لبعض نوابه الذين دخلوا البرلمان باسمه.
ومن المتوقع أن يظل الحزب داعما للمرشح المحتمل بيرام ولد أعبيدى فى الإنتخابات الرئاسية، مالم ينل الأخير يافطة سياسية تمكنه من التحرك فى الساحة المحلية من خارج حزب الصواب القومى.
أما حركة التحرير والتنمية (تيار غير مرخص) فقد حث زعيمه أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيديا على الترشح للإنتخابات الرئاسية، وذلك فى بيان تم تداوله يوم 9 مارس 2024 ، لكن الرجل لم يحمل دعوة أنصاره على مجمل الجد، ولم يعلن أي موقف لحد الساعة، رغم مرور أسبوعين على الدعوة.
وربما يعود الأمر لغياب أي آفاق محتملة لخوض معركة تحتاج إلى "الأنصار" و"المال" و"تزكية المستشارين والعمد"، وهو ثالوث يصعب تأمينه بهذه السهولة من قبل حزب غير مرخص ومستشار مقال، مالم يجد الحزب أوقائده ، متطوعا لوجه الله والدار الآخرة.
ولعل أكثر قادة المعارضة حسما لمسار الترشح بعد العيد ولد محمد هو الزعيم السابق بحركة أفلام ورئيس حركة حزب (AJD/MR) المعارض بامامادو بوبكر الذى تولى قيادة الحزب خلفا لصار مختار ابراهيما، واعلن ترشحه للإنتخابات الرئاسية نفس اليوم الذى انتخب فيه رئيسا للحزب. إنه لايريد دعم الأحزاب الأخرى ولايتطلع لذلك، وليس من الوارد أن يدعم هو ولاجمهوره أي حزب آخر.
وفى معسكر الأغلبية لاتنظر القوى المقربة من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى للأمر بقدر كبير من الإهتمام، ويعتقد بعض رموز الفعل السياسى داخل الأغلبية الداعمة للرجل، بأن حالة الساحة السياسية حالة طبيعية، بفعل التهدئة القائمة منذ انتخاب الرئيس يونيو 2019، وغياب أي أزمة سياسية أو اقتصادية أو أمنية منذ وصوله للسلطة، وانعدام أي مبررات مقنعة قد تدفع بالبعض داخل معسكر الدولة العميقة أو خارجها للمجازفة بمصالحه، أو إلغاء خططه العادية لخوض معركة انتخابية خاسرة دون هدف واضح، كما أن الخطاب الذى تبنته المعارضة طيلة السنوات الماضية قادها إلى مزيد من الضمور والإضمحلال، ودفع الشارع إلى العزوف عن التصويت لها، كما وقع فى انتخابات المجالس الجهوية والنيابية والبلدية، حيث خسرت كافة قلاع الوعي فى البلد لأول مرة فى تاريخ الإنتخابات الموريتانية (انواكشوط/ انواذيبو/ أزويرات/ كيفه/ لعيون/ النعمة/ تجكجه/ ألاك/كيهيدى/ غيدي ماغه/ روصو/ أزويرات/ أكجوجت/ أطار)، وهي مناطق كانت معاقل تقليدية للأحزاب السياسية المعارضة، ونقاط من مظان الرفض المحتملة لسياسات الأنظمة الحاكمة.