العون الطبى الاستعجالي .. رؤية حكومية استثنائية لإنقاذ وجه القطاع الشاحب منذ سنين .. (صور)

"لدينا طالب يختنق، إنه يواجه صعوبة شديدة فى التنفس، وآخر ينزف من الأنف، نحن هنا قرب مكتب العميد "، هذه ليست مجرد أخبار يتبادلها نشطاء الساحة الطلابية وهم يواجهون قمع أجهزة الأمن المعتاد. ولكنه حديث طالب مجهول بالمعهد العالى للمحاسبة يوم السابع والعشرين فبراير 2024 مع رقم معلوم لدى دوائر الوعي المحدودة بموريتانيا (101)، مجهول لدى الكثير من محتاجيه.


 

لم أغادر المنطقة فى انتظار معرفة النتائج، إنها تجربة مثيرة للإهتمام، لقد واجهنا قبل سنين مواقف مشابهة، كنا نلجأ فيها للبصل من أجل مكافحة الآثار الناجمة عن مسيلات الدموع، ونتلقى العناية من رفاقنا داخل تلك الأزقة الضيقة (كلية العلوم والتقنيات) قبل أن تكون للبلاد جامعة عصرية.

 

بعد دقائق قليلة كانت سيارة إسعاف مجهزة تعبر البوابة الرئيسية نحو المكان المحدد من الطالب المتصل، لقد نزل فريق متكامل من أجل إسعاف الضحايا الذين باتوا أكثر من خمسة طلاب، وهنالك إصابات أخرى يتم التبليغ عنها تباعا من قبل قادة المنظومة النقابية الثائرة من أجل حقوق بعض الطلاب المنحدرين من أوساط هشة، والذين طالبوا بمساعدة اجتماعية تعينهم على نوائب الدهر، فى ظل إرتفاع وتيرة الأسعار داخل البلد، وعجز بعض الأسر عن تأمين مصاريف الدراسة لطلاب الجامعات والمعاهد العليا.

 

لم يحتج قادة الطلاب إلى البحث عن مخرج من الورطة التى وقعوا فيها. إصابة طالب فى نهاية الشهر (27 فبراير)، إنه أسوء موقف قد يواجهه طالب جامعى، وهو يرى رفيقه ينزف أو يكابد صعوبة التنفس دون أن تكون لديه مصاريف كافية لنقل الضحية أو تأمين العلاج له، ناهيك عن الملاحقة الأمنية فى مراكز الإستطباب، التى يتعمد بعضها عدم معالجة المريض المحال إليه مالم يستظهر ببطاقة من جهاز الشرطة (الجانى والمنقذ فى مثل هذه الأزمات على الأقل).

 

نحن هنا فى ملح (حي السعادة بتوجنين) إنها حالة غير مألوفة على الإطلاق، سيدة تلد فى الشارع قبل دقائق من آذان المساجد للفطور، من كان يتوقع أن تجد هذه المسكينة من ينقذها وجنينها من وضعية كارثية بكل المقاييس. لكنها بالفعل كانت احدى القصص الناجحة لمركز الإنقاذ الطبى الإستعجالى (قاعدة ملح) لقد تم التعامل معها فى عين المكان من طرف وحدة متخصصة (قابلة وأطباء)، لتتم الولادة فى ظروف استثنائية، مع التكفل بها وبالجنين، ونقلها لاحقا إلى أقرب مركز صحى فى حالة صحية جيدة. لم ينتظر الفريق الإفطار – وهو جاهز- ولم يطلبوا رسوم الولادة، ولم يعربوا عن امتعاضهم من عقلية سيدة فاجئها المخاض فى الشارع، نهاية يوم عصيب. إنها مواقف إنسانية يستحيل تخيلها قبل بضعة أشهر من تاريخ البلاد الحديث.

 

فى مقاطعة الرياض بنواكشوط الجنوبية ، تم التبليغ من طرف المواطنين عن انهيار منزل بالكامل على رؤوس ساكنيه، لم ينتظر العون الطبى الإستعجالى أوامر الجهات الإدارية، أو تحرك المنتخبين والنافذين للتدخل، لقد تحرك فريق طبى متكامل فورا نحو المكان المحدد ، كان ذلك يوم السابع والعشرين من فبراير 2024، لحظات قليلة، وكانت كل الترتيبات جاهزة لإنتشال الضحايا، وتقديم العلاج فى نفس المكان، دون تسجيل حالة وفاة واحدة. إنه الفعل الذى أثار اعجاب المئات ممن تحلقوا حول المكان، وهم يتابعون عمليات الإنتشال والعلاج فى فضاء مفتوح من قبل نخبة شبابية آمنت بالمهمة المناطة بها، ولديها الخبرة والتجهيزات اللازمة للقيام بالمهام المطلوبة.

 

"لقد تعرضت للطعن عند كرفور المقاومة بالحي الساكن" . هذه هي المعلومة المتداولة عن حالة فتاة تم تهشيم أسنانها، والإجهاز على رأسها من قبل مجهول فى انواكشوط الشمالية بعد صلاة التراويح. لكن الوقائع تقول غير ذلك، لقد تم التبليغ عن تعرض فتاة لإعتداء وحشى بمنطقة "دار السلام" (أقصى أحياء دار النعيم)، هنا تحركت سيارة اسعاف تابعة للعون الطبى من أجل إنقاذ الضحية، وعند كرفور المقاومة (الحي الساكن) كانت سيارة إسعاف أخرى جاهزة لإستقبالها من أجل إجراء التدخل الأولى، لقد استمرت العملية أكثر من ساعة، تلقت فيها الفتاة – وهي في غيبوبية- الرعاية الأولية المطلوبة، توقيف النزيف الحاصل على مستوى الرأس والفكين، إعادة الأسنان لمكانها، تلقى العلاج الأولى المطلوب بالكامل. بينما أكتفت الأجهزة الأمنية بفرض اجراءات حول مكان العيادة المتنقلة من أجل توفير ظروف مقبولة لعمل الفريق الطبى الذى باشر عملية التدخل، قبل أن تنقل لاحقا إلى أحد المراكز الصحية لمتابعة العلاج.

 

تلك حصيلة مواقف ومشاهد تكشف حجم التحول القائم فى نظرة الجهاز الحومى بموريتانيا لمتغييرات الواقع، والسرعة المطلوبة فى العديد من المواقف، إنها مسحة إنسانية متحركة برتبة فريق طبى، تخفف من آلام الضحايا، وتخفض تكاليف التدخل المطلوب، وتنقذ الأرواح فى أوقات يستحيل فيها نقل الضحية إلى المراكز التقليدية دون مضاعفات قد تودى به إلى الموت المحقق، وتعطى مكانة للطبيب فى نفوس محتاجيه والمجتمع الذى يراقب سلوكه وتعاطيه مع المحتاجين إليه.

 

101 ليس مجرد رقم عادى للإتصال، إنه جهاز حيوي لإنقاذ الأرواح، ومبادرة أنقذت صورة القطاع الشاحب منذ سنين .. فهل يستمر الجهاز أم تعتريه أمراض الإدارة المستعصية على الحل، رغم الخطط الدورية والإنفاق المبالغ فيه فى بعض الأحيان.

 

متابعة زهرة شنقيط..