شكل احتجاز الحر الرئاسي فى بوركينا فاسو للرئيس الانتقالي ميشل كافندي، وقائد الحكومة الانقلابي السابق المقدم اسحاق زايد أكبر صدمة داخل القارة السمراء، وموجة من ردود الفعل الدولية الغاضبة، بعد أن كانت البلاد علي موعد مع انتخابات توافقية في أكتوبر 2015.
لكن المتابعين للشأن البوكينابي كانوا يتوقعون ردة فعل داخلية وخارجية على القرار الذي اتخذه المجلس الدستوري بشأن اقصاء أبرز مرشح للانتخابات الرئاسية، وأكثرهم مصداقية لدى الشركاء الدوليين "جبريل باسولي" من السباق الرئاسي بعد أن كانت مجمل التوقعات تصب في صالحه، بحكم السمعة الطيبة التي اكتسبها خلال الفترة الماضية، وعلاقاته الجيدة ببعض دوائر صنع القرار في الغرب (فرنسا) وبعض الأطراف الخليجية ذات التأثير المتصاعد بالقارة (قطر) بعد أن عملها معها لأكثر من ثلاث سنوات في ملف "دارفور"، واعتمد وسيطا بعدها في العديد من الملفات الإفريقية اثر تعيينه وزيرا للخارجية في عهد ابليس كومباوري.
اقصاء وزير الخارجية من السباق الرئاسي كان صدمة لدى دوائر محلية راهنت عليه، وأخرى خارجية كانت تري فيه الرجل الأنسب لبوركينا فاسو خلال الفترة القادمة، باعتباره رجل الإطفاء الأبرز في القارة، لكن كانت إرادة القائد العسكري المطاح به "اسحاق زايدا" والرئيس الانتقالي الهش ضد عودة رموز الفترة الماضية، مستخدمين أسلحة دستورية طالما أحسن الإقصائيون استخدامها أوقات الضرورة.
لقد بدت حجة المجلس الدستوري أقرب إلي المهزلة منها لروح العمل القانوني والسياسي، بعد أن طالبوا وزير الخارجية المرفوض ترشحه باعطاء الدليل علي أن المجلس الوزاري الذي حضره لم تناقش فيه مسألة تعديل الدستور للسماح للرئيس المطاح به ابليس كومباوري بالترشح لمأمورية جديدة، وأنه لم يدعم القرار الذي كان البرلمان الموالي له بصدد اتخاذه قبل الإطاحة به في انقلاب عسكري مهدت له أحداث ضخمة داخل الشارع، راح ضحيتها العشرات من المتظاهرين.
ابتلع وزير الخارجية القرار على مضض، مهنئا المشاركين في السباق الرئاسي، لكن دون علي صفحته الشخصية يوم الثاني عشر من سبتمبر 2015 تدوينة سيذكرها اسحاق زايد ورفاقه كثيرا، قائلا إن قرار المجلس الدستوري لن يكون نهاية مشواره السياسي، متعهدا باتخاذ الموقف المناسب من الانتخابات الرئاسية المقبلة، والعمل من أجل وحدة ورخاء البوركينابيين.
لقد بدت الصورة في بوركينا فاسو واضحة خلال الأيام الثلاثة الـأخيرة، لقد فقد أنصار الرئيس المطاح به – وهم حاضرون بقوة في المشهد العسكري- الأمل في عودة رموز الحقبة السابقة عبر بوابة الانتخابات الرئاسية، لقد كانت القوة العسكرية الموالية لرئيس الوزراء اسحاق زايد تصفي رموز حقبة ابليس كومباوري بشكل ممنهج، رغم أنها لاتمتلك القوة الكافية علي الأرض لتمرير طموح رئيس الوزراء المزهو بواقع داخلي معقد تحكم فيه فجأة، ودعم اقليمي ودولي منحه الشرعية اللازمة لتمرير مخططه بكل سلاسة.
لكن مالم يتوقعه رئيس الوزراء أو أعضاء الحكومة الانتقالية هو حضور الرئيس المطاح به 2014 وأعضاء حكومته في المشهد العسكرى بهذا الشكل الكبير، لقد كانت الهواتف النقالة تعمل بشكل مستمر بين العاصمة "أبدجان" وبعض الدوائر الغربية والعربية من أجل رسم خارطة سياسية جديدة لامكان فيها لطموح مبتور العلاقة بالجوار الإقليمي، ومجهول النوايا لدي الدوائر الغربية والعربية ذات التأثير المتصاعد بالقارة السمراء.
ولم تكن تحركات بعض السياسيين المرتبطين بالملف بين الجزائر وقطر والمغرب وكوديفوار مجرد مسرحية هزلية، لقد كانت ملامح المشهد الحالي ترسم بهدوء داخل أروقة النخب السياسية والعسكرية المهتمة بالمسار الانتقالي في بوكينا فاسو والاستقرار الهش في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء.
وأخيرا حسم الأمر بكل سلاسة يوم الأربعاء ..
الواحدة زوالا يوم الأربعاء 16 سبتمبر 2015 هي آخر لحظة في عمر الحكومة الهشة.. زر باب القاعة الرئاسية المكيفة كاف لتحييد الهرم الممسك بالسلطة في بوركينا فاسو دفعة واحدة، في انتظار رسم ملمح آخر من ملامح القارة المتخمة بالانقلابات العسكرية والمجالس الانتقالية والهيئات الديمقراطية، سيدين العالم الخطوة لكنه سيتكيف سريعا معها.
رحل ابليس كومباوري 2014 لكن ظلال حكمه باقية ..
وكذلك يفعل الحكام الأفارقة بأحلام الشعوب الثائرة من أجل الانفكاك من تاريخها المظلم..
سيد أحمد ولد باب / نواكشوط