حلف الوفاق .. وجه السياسة المحلية الثابت وذراع الأغلبية الضاربة بالطينطان (تقدير موقف)

في مطلع أغشت 2016 وضع رجل الأعمال البارز سيدي محمد ولد السييدي نهاية لمساره السياسي داخل أروقة المعارضة الموريتانية، وقرر في رسالة مكتوبة لرئيس الحزب السابق محمد جميل ولد منصور استقالته من كل هيئات الحزب وعضوية البرلمان، ليكون بذلك أول نائب موريتاني يقرر الاستقالة من الجمعية الوطنية، كتعبير عن تغيير في القناعة، دون انتظار إكمال المأمورية أو اتخاذ الحزب لإجراء تأديبي بحقه.

 

وفى الثاني والعشرين من نفس الشهر وافق الحزب على قرار الاستقالة، وهي موافقة كانت بالفعل بداية لنهاية تحكم الحزب في الواجهة السياسية بمقاطعة الطينطان، وتقويض مدروس لذراع طالما فاخر بها، رغم مساعيه اللاحقة لتثبيت وجوده بالمنطقة، وبداية كذلك لتعزيز فرص الأغلبية في المقاطعة الثائرة، بعد عقد من الصراع المفتوح بين قوي السلطة من دون استثناء والرجل الذى حمل هم المقاطعة على نفسه وشكل البديل المقنع للآلاف من المكتوين بنار الفقر والتهميش، وأرغم المستقلين الموالين للسلطة 2006، وحزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم 2013 على الإذعان لخيارات الناخبين، والخروج من جولات الصراع بخسائر باهظة في الأموال والصورة الخارجية للنظام في احدى القلاع التاريخية للأنظمة السياسية (الحوض الغربي)، رغم زجه بكل رموز السلطة وفاعليها في مشهد لم يتوقعه أكثر المتشائمين.

 

لم يقبل ولد السييدي دخول المعترك السياسي داخل الأغلبية بمفرده، بل أختار تعزيز الحزب الذى أنضم إليه، والقيام بنفس الدور إلى جانب السلطة ، بعدما نازلها لدورتين انتخابيتين متتاليتين، وهو ما دفعه إلى تشكيل تحالف سياسي جديد أطلق عليه "حلف الوفاق"، لتكون التعديلات الدستورية أول اختبار لمكانة الرجل داخل الأغلبية، وفرصة للعب دور قيادي آخر من موقعه الجديد، متجاوزا عقدة الصراع الذى فرض عليه من قبل بعض أقطاب المشهد الحاكم بموريتانيا، والحملة الإعلامية غير الأخلاقية التي أستهدفته، وهو يصارع من أجل تخليص المقاطعة من نخبة حكمتها لفترة دون ترك منجز أو الإنحياز لمهمش، أو رفع الظلم عن مغبون، أو القيام بمبادرة من شأنها تخفيف وطأة الفقر عن جيوب هدتها عقود من الحرمان، وعبثت بها سنين الجفاف الماضية، وضعف التعليم بكبريات المدن، وصعوبة التنقل بين مجالسها المحلية الستة.

كانت بصمات ولد السييدي في التعديلات الدستورية واضحة، وكانت حركته داخل الموقع الجديد (الأغلبية الرئاسية) تشي بأن مكانته السياسية ستظل محفوظة، وقد كان الأمر فعلا كذلك عند فرز لائحة المرشحين 2018، حينما دفع به النظام على رأس قائمة النواب عن المقاطعة التي عزف عن تمثيلها من بوابة المعارضة، فكانت عودته للبرلمان رفقة النائب أم الخيري بنت الغزواني رسالة بالغة الدلالة لكل الأطراف التي تآمرت لعزله 2026-2013  والأخرى التي راهنت على خسارته لموقعه السياسي، بعدما تخلي عن موقعه داخل الجمعية الوطنية 2016 ، بعدما لم يعد يروق له الخط المعارض الذى أنحاز له 2006 أيام الإصلاحيين الوسطيين، أو حمل خطاب الحزب الذى أختاره كواجهة لعمله السياسي ، وشارك في تأسيسه سنة 2008 قبل أن يودعه 2016 في رسالة مكتوبة أبان فيها أسباب الاستقالة وخياره الجديد.

نائبين من اصل ثلاثة هم أعضاء البرلمان عن الدائرة المتخمة بالتحالفات السياسية، رغم قوة الصراع القبلي، وظهور أقطاب فاعلة في المشهد ترفض وبشكل علني الاستجابة لقرارات الحزب الحاكم، ولاتعدم الدعم من بعض أطراف الأغلبية، وخصوصا الجهاز التنفيذي (الحكومة)، ضمن صراع كانت ملامحه واضحة بين الحزب والحكومة 2018.

كرس ولد السييدي مأموريته للسكان، دفاعا عن مصالح دائرته الانتخابية في الجمعية الوطنية، وقياما بأعمال بر أعتادها منذ زمن، وتأمينا لقواعده الشعبية التقليدية من الاختراق والتبعية للغير، وتحسينا لتحالفاته السياسية، وتوسيعا لدائرة الحضور في خمس مجالس محلية أختارها كميدان للعمل، مع تحييد المجلس السادس، ضمن توازنات قبلية معمول بها منذ فترة، وبحكم غياب أي حضور للمعارضة فيه خلال الفترة الحالية.

 

ومع انتخابات 2019 كانت رجل الأعمال سيدي محمد ولد السييد ومجمل أركان حلف الوفاق في طيلعة الداعمين للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ضمن حراك يتزعمه نواب المقاطعة والعمدة، ويمنح مظلته للعديد من الأطر والوجهاء الراغبين في تعزيز الشراكة السياسية، والمقتنعين بمحمد ولد الشيخ الغزواني كبديل تحتاجه البلاد، ورجل مرحلة يجب الاستثمار فيه، ومشروع يشكل حلما للعديد من أجيال المنطقة.

جهود أثمرت مع آخرين عن تأمين 17772 ناخب لصالح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الشوط الأول.

 نتيجة لا تختلف كثيرا عن النتائج التي تحصل عليها حلف الوفاق 2023 في صراعه المفتوح من أجل حسم معركة النيابيات (15680 ناخب) ، بعدما حسم معركة المنافس الخارجي (تواصل)، وتفرغ لمواجهة منافس جديد من رحم الأغلبية ( حزب الإصلاح)، بعدما لم يستوعب بعض السياسيين وقادة المشهد السابق من وزراء ورجال أعمال استمرار هيمنة حلف الوفاء على الواجهة السياسية بالطينطان، وهي معركة انتهت بفارق مريح (أكثر من أربعة آلاف ناخب تفصل حزب الإنصاف عن منافسيه (الإصلاح وتواصل، بعدما حصلا تواليا على 7470 و 3846  )

ومع بداية معركة الرئاسيات الجديدة نزل الحلف بكل رموزه (النواب والعمد) إلى الميدان قبل أسبوع من وصول طاقم الحملة لتغطية 110 مكاتب ، وتعبئة 41 ألف ناخب للتصويت، والوقوف في وجه عدو آخر (قساوة الظروف وصعوبة المناخ الذى تجري فيه العملية السياسية الأخيرة بفعل الجفاف وسفر السكان)، ضمن حملة قالت المنسقية العامة المكلفة من قبل المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني -بحسب التسريبات المتاحة- بأنها كانت مقنعة ومنظمة وفيها تضحية كبيرة وبذل أثمر نتائج جد ممتازة.

شارك الحلف بفعالية في مهرجان الافتتاح، وأنعش مهرجانه الخاص، وأقام مهرجان المقاطعة المركزية، ونظم مسيرة حاشدة بالسيارات، وأقام سلسلة مهرجانات داخلية في مجمل المجالس المحلية الخمسة التي ينشط فيها، مع توفير ضيافة كل المكاتب والنقل لكل راغب في التنقل بين مجمل القرى، وتأمين النقل للوافدين من العاصمة نواكشوط، وبناء حملات مفتوحة بكل المجالس المحلية، والمساهمة في الحملة المركزية، والتكفل التلقائي بالنقل يوم الاقتراع بمجمل مكاتب المقاطعة.

يقول أنصار حلف الوفاق، وبعض أبناء المقاطعة المركزية، بأن أبرز مايمز نشاط الحلف هو العمل بنفس الآليات التي عمل بها في الحملة الانتخابية المحضرة لانتخابات نواب البرلمان 2023 في الحملة المحضرة للانتخابات الرئاسية الأخيرة (يونيو 2024)، بينما يستثمر آخرون كل ما يملكون في الصراع الداخلي لكسب معركة العمد أو النواب، ويكتفون بالحضور الإعلامي في الحملات الرئاسية، رغم ما يعنيه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لموريتانيا عموما، ولسكان الطينطان علي وجه الخصوص.