ليس مجرد مجلس بلدي عادى، بل مقاطعة جاهزة مع وقف التنفيذ ؛ 10997 نسمة ، أي مايعادل سكان مقاطعتين من أبرز مقاطعات البلاد (شنقيط/وادان) و5900 كلم مربع ، وواحد وثمانون تجمعا قرويا، و26 مكتبا انتخابيا ، يمثلهم عمدة و19 مستشارا فى مجلس بلدي هو أضعف المجالس المحلية بموريتانيا ، وأقلهم قدرة على الإنجاز.
فى بلدية أم الحياظ تتعايش 6 مجموعات قبلية، وبعض آدوابه ؛ ضحايا عقود التجهيل والغبن، وبعض أبناء الطبقة الكادحة من أجل مستقبل أفضل من خارج المجموعات الرئيسية بالمجلس المحلى.
أكثر من 97% من أطفال البلدية ولدوا خارج المراكز الصحية ولم يستفد غير البالغين من خدمات الحالة المدنية قبل الأشهر الأخيرة ، وأكثر من 50% من أطفال المجلس البلدي لم يعرفوا الطريق نحو مقاعد الدرس، ولم تتح لهم فرصة الدخول إلى المحاظر على الإطلاق ، بحكم طبيعة المجتمع البدوى المتنقل بين الشمال والجنوب، وتجاهل الدولة لحيزهم الجغرافي منذ الإستقلال.
50% علي الأقل من سكان البلدية يشربون المياه الملوثة، بسبب ضعف نفاذ السكان إلى خدمات المياه بمناطق واسعة من التجمع المذكور، والبعض لايزال يشرب المياه المالحة رغم الإحساس بالمخاطر الناجمة عنها، والبعض الآخر يخزن مياه الأمطار فى فصل الخريف عبر حفر مبلطة بالأسمنت فى عمق صحراء آوكار (أمبلك ) للإستفادة منها لاحقا، بفعل ملوحة مياه المناطق المحيطة به .
حلت مشكلة المياه خلال السنوات الأخيرة ببعض المراكز الحضرية، وتعطلت بعض المشاريع الموجهة للريف بفعل ضعف القطاعات الوزارية المكلفة بها (تآزر وقطاع التنمية الحيوانيه)، ولكن لاتزال مناطق واسعة من بلدية أم الحياظ يقطنها ثلث ساكنة البلدية تقريبا خارج اهتمام الدولة الموريتانية بكل أجهزتها المختصة.
لم تستفد عاصمة البلدية من أي منشأة تعليمية منذ عقود ، وبعد توجيه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى ببناء بعض المنشآت الحيوية فيها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من مأموريته الأولى، بدأت الأشغال فى مدرسة مكتملة بمركز البلدية ، ولكنها أشغال لم تعمر طويلا ، رغم مرور أربع سنوات على بدايتها، بفعل ضعف قطاع الإسكان والحماية الممنوحة لبعض المقاولين، تماما كما هو حال مشاريع تآزر (المركز الصحى بأم الحياظ ومدرسة أكدرنيت).
قبل شهرين فقط (29 يونيو 2024) صوت سكان بلدية أم الحياظ بأغلبية مطلقة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وكانت نتائج التصويت مبهرة مقارنة بمجمل المجالس المحلية المشكلة لمقاطعة لعيون، بما فيها عاصمة الولاية (لعيون) ، لكن ذلك لم يشفع لنخبها الطامحة لحجز مقعد بين الحالمين بالإنصاف فى عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، فلا تزال الصورة كما هي ، ولا يزال التهميش هو النصيب المتاح فى دولة آمنوا بها ، وحاولوا جاهدين أن تكون لهم فيها مكانة بكل السبل المتاحة للمهمشين (التعليم والسياسة والحضور فى مجمل محطات التدافع الداخلي).
قبل أسبوعين رحل العمدة محمد محمود ولد أحمد مولود فى صمت بعد صراع مع المرض، ولم تشفع له مكانته الإجتماعية، ولادوره السياسي طيلة العقود الأربعة الماضية ، ولا اللقب الذي حمله لدورتين متتاليتين (عمد مساعد لبلدية أم الحياظ ) لينال لفتة من السلطات المحلية كما هو حال أقرانه بمناطق أخرى (تعزية رسمية من جهات إدارية يسلبها الفراغ أعز ماتملك )، ولم يحظ أبنائه بدور فى الحياة العامة ، وهم نخبة متعلمة وحاضرة فى مجمل الحراك السياسى بالمنطقة.
يرابط العمدة السابق بادي ولد الخليفة فى منزله بأندرينايه ، وهو من الرجال القلائل فى الحوضين الذين يمتلكون شعبية ثابتة على مر العقود (أكثر من ألفي مصوت لاينازعه فيها مراهق أو شيخ هرم) دون أن يحظى بموقع فى هرم السلطة الإدارية كما هو حال عمد الصدف الذين يتبادلون قيادة مجالس الإدارة والاستشارة بالقطاعات الوزارية، ولم يحظ نجله الذي أستثمر فيه بمكانة داخل الجهاز التنفيذي ، وهو الشاب المتعلم ابن الوجيه التقليدي ونجل عمدة يحظى بشعبية حاضرة فى كل محطات السياسة.
فى حاضرة العلم والتصوف يجلس نجل الشيخ الراحل محمدو ولد الشيخ ولد أبوه -عليه رحمة الله- وهو يتدارس الفقه مع تلاميذه ، لكن الشيخ الوقور "عز الدين" والجمهور المحيط به يشربون من بئر مالحة، وبجوارهم حفر إرتوازي يكفى لتأمين المياه الصالحة للشرب لكل سكان القرية (قرية ولد الشيخ ولد أبوه) لكن مجرد تجهيزه يستحيل تأمينه من قطاع حيوي كالمياه أنيطت به مسؤولية سقي العطاش بالداخل، حينما يكون الحديث عن قرية من قري أم الحياظ.
فى قرية أحسي لحراطين ببلدية أم الحياظ كسر الفلاح وابن القرية الكادح "العيد" قواعد اللعبة بالمنطقة، وقرر الاستثمار فى تعليم أطفاله، رغم الظروف الصعبة وغياب أي إعدادية أو ثانوية بالمنطقة ساعتها (90 كلم من لعيون) فكانت ابنته "بنينه بنت العيد " أول حاصلة علي الباكولوريا من شريحة لحراطين عموما بمنطقة آوكار سنة 2023 ، والتحقت بها أختها فاطم بنت العيد فى دورة الباكولوريا الأخيرة من ثانوية لعيون ، لكنه جهد لم يجد من يحتفى به ، ولم تقدر للرجل تضحياته من قبل المهتمين بالإصلاح والتغيير ، وهو المكافح الذي شق الطريق ببسالة أمام محيطه الإجتماعى، ليرسخ قيم التضحية والصبر ويدفع بأنظار جيرانه نحو واقع غير الواقع الذي ألفوه.
أما قرية أكدرنيت (قاطرة التحول بمنطقة أم الحياظ عموما ) فلا تزال نخبها الثقافية تحاول كسر القيود المفروضة على أبناء المنطقة ، عبر الحضور فى مجمل الدوائر المتاحة للجمهور المتعلم ؛ المالية والدبلوماسية ، والثقافة ، والإعلام ، والشؤون الإسلامية ، والصيد ، والتعليم ، ولكنها جهود غير مسنودة بإرادة قوية من طرف صانع القرار ، أما التمييز الإيجابى و الإنصاف والتوازن فى التعيينات الحكومية؛ فتلك أحلام تظل قائمة فى انتظار إرادة نأمل أن يكون هذا أوانها ، بعد 64 سنة من الإنتظار المؤلم.
#زهرة_شنقيط
#تابعونا